للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الامتيازات والدين]

. . . حتى على حرم الدين، وموئل علومه، ومعقل آدابه، تعتدي الامتيازات الأجنبية المشئومة!! فقد حدثني من لا يجهل ولا يكذب، أن طالباً من جنوب أفريقية، يطلب العلم في أحد المعاهد الدينية، دهمه الامتحان وهو في سكرة النعيم المصري الخالص من الأذى والمن، فلم يجد في رأسه غير وساوس الشباب وغماغم الهوى، ففزع إلى الكتاب ينقل منه نص الجواب، فأخذته عين المراقب! ثم كان ما يقتضيه القانون والخلق والنظام في مثل هذه الحال من طرد التلميذ وإلغاء امتحانه.

ولكن جنوب أفريقية - وأرجو أن تتذكر - له على شمالها امتيازات بالواسطة، يُدل بها على مصر ادلال الخادم بسطوة سيده، ويصول بسيفها صولة العبد بسيف مولاه! حملها أبو الغلام على ظهره عشية الحادث، وراح يهدج بها في فناء الدار المشرفة على النيل وعلى أمة النيل، فاهتزت الدار لشكواهِ حفاظاً وأنفة، وأقبلت حجرات الحراس على حجرات الخدم يتساءلن: أين إذن الامتياز إذا تساوى الأجنبي والوطني في قانون عام؟ وأين إذن الامتياز إذا جرى المحمى والمصري في الأمر على منهاج واحد؟!

وفي الصباح الباكر كان مدير المعهد جالساً إلى مكتبه يذكر الله على إيقاع المسبحة، وذِكْر الله تطمئن به القلوب وتشجع به الأنفس، ولكن جرس التليفون كان اليوم على ما خيل إلى المدير أحدّ رنيناً، وأشد صلصلة، فزعزع القلب المطمئن، وضعضع النفس القوية!

- ألو! ألو! مَن؟

- الإدارة العليا! أعد إلى الامتحان الطالب الذي أخرجته منه أمس

- كيف وقد غش في الإجابة، وضبطت معه أداة الغش، وضاع من أيام امتحانه يوم، وذهب من هذا النهار حصة، وأعلن إلى الملأ أمر رفضه؟؟

- أعد هذا الطالب من غير مناقشة!!

وكانت اللهجة حاسمة، والإجابة مفحمة، فخرس التليفون، وخشع المدير، وتقاصر المكتب، وخزى القانون، وبُهت الخلق، وعجب المدرسون والطلاب إذ رأوا التلميذ الذي طرد بالأمس، يعود إلى مكانه اليوم وهو أضخم مما كان جثة وانضر طلعة وأطول رقبة!!

تخالست العيون نظرات العجب، وتبادلت الشفاه بسمات السؤال، ولكن المكاتب الرسمية ظلت واجمة، والأسباب السحرية الرهيبة بقيت محجوبة، حتى أذن الله لها أن تظهر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>