وجلس تولستوي يحدث رب الدار وأبنته في إحدى الحجرات، ويستعيد ذكريات الماضي، وأنضم البنات إلى أمهن وجدهن ليجلسن يستمعن وكانت أمهن تصيح بهن الفينة بعد الفينة ليأوين إلى مضاجعهن ولكن حديث الكونت كان يسحرهن حتى تبين الجد في لهجة أمهن فقمن متثاقلات لينمن.
وتبعهن تولستوي إلى باب الحجرة، ثم استوقف سونيا قائلا إنه يريد أن يفضي إليها بحديث وخفق قلب الفتاة، ومشت معه إلى منضدة للعب الورق في إحدى الحجرات، ولندع تاتيانا تقص علينا ما كان بينهما من حديث قالت (الشيطانة الصغيرة) في مذكراتها (لقد طلب اليّ أن أغني ولما كان ذلك آخر ما أرغب فيه وقتئذ، فقد هربت إلى الثوى واختفيت تحت البيان. . . وبعد دقائق دخل الحجرة تولستوي وسنويا، وكان يبدو عليهما الأضطراب في صورة غير عادية، وجلسا إلى منضدة اللعب. . . وقالت سنويا: هكذا ترحل غداً؟ ولماذا تعجل على هذا النحو؟ إننا سوف نفتقدك، وأجاب تولستوي: إن ماري وحدها وهي تتأهب للسفر إلى الخارج. وسألته سونيا: أتسافر معها؟ وقال الكونت: كلا. لقد كنت أرغب في ذلك ولكني الآن لا أستطيع. وتراجعت سونيا فلم تسأله لم لا يستطيع فأنها تدرك ماذا يكون الجواب، ورأيت في وجهها ما يشعر أن شيئاً خطيراً يوشك أن يحدث، ووددت أن أخرج من مخبئي ولكني خجلت من ذلك فبقيت ساكتة. وقالت سونيا: هيا بنا إلى الفناء فإنهم لا بد يبحثون عنا؛ وقال الكونت: لا. . أرجو منك أن تظلى لحظة. . . وكان يكتب شيئاً ما على المنضدة بقطعة من الطباشير، ثم قال في صوت متهدج من أثر اضطرابه: أتستطيعين أن تقرئي ما أكتب لك إذا استعملت الحرف الأول من كل كلمة فحسب؟ وأثبتت في وجهه نظرة وقالت: أظن أني أستطيع. وكتب تولستوي الحروف، وكأنما أوحى إلى أختي فقرأت: إن شبابك وتطلعك للسعادة يذكرني تذكيراً قوياً بشيخوختي وباستحالة السعادة على وكان يعنيها تولستوي بعض العون في قليل من هذه الكلمات.
وكتب حروف غيرها، فقرأت إن في أسرتك خطأ حول أختك وحولي، ينبغي أن تعينيني