في ليلة الأربعاء الماضي استعز الله بالإمام الأكبر الأستاذ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر، فكان نعيه المفاجئ حدثاً بارزاً في الأحداث العالمية هفت له القلوب جزعاً، والتاعت له النفوس حسرة. والأسى على فقد الأستاذ المراغي عدل ما يعرفه العالم الإسلامي عنه من رسوخ القدم في العلم، وعلو المكانة في الأدب، وثقوب الفكر في الإصلاح، ونفوذ الكلمة في الدولة. والحق أن المراغي كان عالم جيله إذا أردنا من العالم الديني أن يكون عليماً أحوال العصر، خبيراً بسير الزمن، بصيراً بطبائع الناس، يوفق بين الدين والعلم في قصد، ويجمع بين الشريعة والمدنية في حكمة. وقد هيأة لهذه المزايا بعد الاستعداد الطبيعي فيه عوامل اجتماعية أهمها اتصالها المباشر بالموظفين الإنجليز في السودان أيام كان صاحب القضاء فيه. والموظفون الإنجليز في مصر والسودان كانوا الصورة الحقيقة للمدنية الغربية في سمو الخلق وحسن النظام وحرية الفكر وسداد المنهج، كما كانوا في الإدارة والسياسة الكمال الذي يظهر لك النقص واضحاً في شتى النواحي الاجتماعية المصرية؛ فكان من الطبيعي أن يطمح إلى هذا الكمال من طريق الإصلاح الديني والاجتماعي بحكم منصبه. كما فعل الإمام محمد عبده حين اتصل بالفرنسيين في المنفى وبالإنجليز بعد الاحتلال
ولقد كان موقفه في الإصلاح الديني من شيخه الإمام محمد عبده، كموقف اسماعيل الإصلاح المدني من جده محمد علي: كان موقف المتبع من المبتدع، والمقلد من المجتهد، والحائر المتردد من الزميع المصمم.
وكان الظن بالفقيد الكريم وقد ورث أكثر خصائص الأستاذ الإمام أن يؤدي رسالة الإصلاح على الوجه الذي يرتضيه العلم، ويقتضيه العصر، ويرتجيه الناس؛ ولكن الأسباب المعوقة من مهاواة السياسة، ومصانعة المعارضة، ومماطلة الحزم، واضطراب السلام في الخارج، وانقطاع الوئام في الداخل، حالت بين الشيخ وبين ما يريد حتى أتاه اليقين وهو على شك من استعداد النفوس لفكرة الإصلاح.
تغمده الله برحمته، وجزاه أحسن الجزاء على حسن بيته، وأخلف بالخير على أسرته وأمته.