الحج والزكاة هما الركنان الاجتماعيان من أركان الدين، يقوم عليهما الأمر بين الفرد والفرد، وبين الفرد والجماعة، كما يقوم على الثلاثة الأُخَر الأمر بين المرء وربه، وبين المرء ونفسه؛ فالزكاة تقيم نظام المجتمع على التعاطف والرحمة، الحج يقيمها على التعارف والألفة، فيحقق الأول بنفي العقوق معنى الأخاء، ويحقق الثاني بمحو الفروق معنى المساواة؛ والإخاء والمساواة شعار الإسلام، وقاعدة السلام، ومِلاك الحرية، ومعنى المدينة الحق، وروح الديمقراطية الصحيحة
كان الحج وما زال مَطْهرَ الدنيا: ترحض فيه النفوس عن جوهرها أوزار الشهوات وأوضار المادة؛ وكان الحج وما زال ينبوع السلامة: تَبْرد عليه الأكباد الصادية، وترفُه لديه الأعصاب الوانية؛ وكان الحج وما زال مثابة الأمن: تأنس فيه الروح إلى موضع الإمام، ويسكن الوجدان إلى منشأ العقيدة، وينبسط الشعور بذلك الإشراق الإلهي في هذه الأرض السماوية؛ وكان الحج ومازال موعد المسلمين في أقطار الأرض على (عرفات): يتصافقون على الوداد، ويتآلفون على البعاد، ويقفون سواسية أمام الله حاسري الرءوس، خاشعي النفوس، يرفعون إليه دعوات واحدة، في كلمات واحدة، تَصعدُ بها الأنفاس المضطرمة المؤمنة تصعد البخور من مجامر الطيب، أو العطور من نوافح الروض! هنالك يقف المسلمون في هذا الحشر الدينوي حيث وقف صاحب الرسالة، وحواريو النبوة، وخلفاء الدعوة، وأمراء العرب، وملوك الإسلام، وملايين الحجيج من مختلف الألوان والألسن، فيمزجون الذكرى بالذكر، ويصلون النظر بالفكر، ويذكرون في هذه البقعة المحدودة، وفي هذه الساعة الموعودة، كيف اتصلت هنا السماء بالأرض، ونزل الدين على الدنيا، وتجلى الله للإنسان، ونبت من هذه الصحراء الجديبة جنات الشرق والغرب، وثمرات العقل والقلب، وبينات الهدى والسكينة
الحج مؤتمر الإسلام العام، يجدد فيه حبله، ويتعهد به بأهله، ويؤلف بين القلوب في ذات الله، ويؤاخى بين الشعوب في أصل الحق، ويستعرض علائق الناس كل عام فيوشجها بالأحسان، ويوثقها بالتضامن، وينضح من منابعه الأولى على الآمال الذاوية فتنضُر، وعلى