كان الشعر الحجازي قد أصابه الركود كما أصاب غيره في الأقطار الأخرى، وقنع شعراؤه بتقليد ضعاف الشعراء في عصور الاضمحلال الأدبي؛ فوقفت المحسنات البديعية في طريق تجويدهم وإبداعهم، وأضاعوا وقتهم واستنفذوا مجهودهم في التشطير والتخميس، وظل الشعر على هذه الحال حتى عزته ثورة التجديد فتخلص من هذه القيود التي كبلته الزمان الطويل، وقد وصف الأستاذ أحمد العربي حال الشعر الحجازي قبل نهضته فقال:(لم يكن الأدب الحجازي سوى بضع منظومات وكتابات سقيمة المعنى واهية السبك ملتوية الأسلوب يدور أكثرها في نطاق ضيق من المديح السخيف والغزل والتشطير والتخميس على نمط ليس له من مبرر سوى ذلك العقم الأدبي الذي منيت به الأفكار في تلك الحقبة المشؤومة، وإلا فأي إنتاج ينتجه أولئك الذين يتناولون بيتين أو أكثر من الشعر بالتشطير والتخميس، فيعمدون إلى تمطيط معناها وتفكيك أواصرها وحشوها بما يناسب وما لا يناسب من الألفاظ المترادفة والتراكيب المرصوفة. . . الخ)
وما كاد الحجازيون يتذوقون المناهج الحديثة في الشعر حتى حملوا على عشاق القديم جملة عنيفة ليردوهم عن التقليد ويوجهوهم إلى الغاية التي يرجونها للشعر، وقد جاء في مقال للأستاذ عواد ينتقد فيه المقلدين:(. . . نعم الشعر جميل، ولكن أين الشعر الذي تنظمونه أو تروونه؟
أأتلمسه في تخميس:
(تتيه علينا مذ رزقت ملاحةً) أم تشطير: (إذا كان لي أهلان أهلٌ ترحلوا) أم في مشجر: (على جيد هذا الظبي فلينظم الدرُّ) أم في تخميس آخر مطلعه:
(أنيري مكان البدر إن فقد البدر) أم في مدحه أنشدت للحسين في يوم عيد مطلعها:
(سلْ ما لسْلمى بسوق النحس تشريني) أواه! كل هذه أيها المتشاعرون صديد فكري وقيوء (باللغة التي تفهمونها) لو أنفق العمر بأجمعه في مثلها لما وصل الناظم إلى الشعر. الشعر جميل أما أمثال هذا فلا. . .)