للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

مستقبل الشعر:

تساءل الأستاذ (توفيق الحكيم) في عدد أخير من (أخبار اليوم) عن مستقبل الشعر والشعراء. وهل آن لدولة الشامخة أن تودع العالم بين صخب التطور وجلبة الاندفاع إلى المستقبل الذي تهرول نحوه الشعوب في سرعة لا تعرف البطء، وعزم لا يدركه الكلال.

والذي رفع الأستاذ (الحكيم) إلى هذا التساؤل هو ما يراه من أفول يصيب نجم تلك الدولة الهرمة، ثم حاول أن يعلل له بما كان من أمر هذه الديمقراطية التي جعلت الآداب موجهة إلى الطبقات الوسطى والدنيا قبل أن تكون موجهة إلى الخاصة، وهذه الطبقات في رأي الأستاذ غير موجهة لتلقي هذه الرسالة الرفيعة، وأخيراً هذه السرعة المجنونة التي تلوذ بالسطح وتنفر من الغوص إلى القرار. والشعر فن يعتمد على التركيز والإيجاز، فهو في حاجة إلى شيء من الذكاء وشيء من الاستقرار يهيئان لفهمه والاستمتاع به.

والأستاذ (الحكيم) بعد هذا العرض وذلك التدليل متشائم، ينظر إلى مستقبل الفن الجميل نظرة الأسف المتحسر. فهل لهذه النظرة من أساس؟ وهل منطق الحوادث وأدلة الماضي والمستقبل تقف إلى جانبه؟

يخيل إلي أن الحق بجانب هذه النظرة التشاؤمية. فما هي الدعائم التي ينهض عليها الشعر؟ وما هي الروح التي تنفخ في جذوته المقدسة فتشعلها وتذكي لهيبها؟ وهل آن الدعائم أن تتقوض، أو لتلك الروح أن تلفظ الأنفاس في المستقبل الغريب أو البعيد؟

إذا استطعنا إذا نجيب على هذا السؤال كان لنا في الإجابة غناء عن تشاؤم الأستاذ أو تفاؤل غيره.

دعائم الشعر في نظري تنقسم قسمين:

قسماً يخص الشاعر الذي ينشئ الشعر. وقسماً يتصل بالقارئ. أما فيما يخص الشاعر فأن الدوافع التي تدفعه إلى قول الشعر لن ينضب معينها إلا إذا نضب معين الحياة، واستجابة الأحياء لما تلقاهم به من ألوان الحوادث والتجارب التي تمتنع على العد، وتستعلي على الإحصاء؛ فدوافع الشعر ستظل خالدة خلود الطبيعة والإنسان. وعلى هذا فالشاعر ضرورة إنسانية باقية، وحاجة روحية خالدة. وإن أقفرت بعض الفترات من وجود العبقريون من

<<  <  ج:
ص:  >  >>