للإمام أبي حامد الغزالي كتاب صغير الحجم يسمى (سر العالمين، وكشف ما في الدارين) رسم فيه سياسة وافية للفوز في الدنيا والآخرة، جاء في أوله:(سألني جماعة من ملوك الأرض أن أضع لهم كتاباً معدوم المثل لنيل مقاصدهم، واقتناص الممالك، وما يعينهم على ذلك).
طبع هذا الكتاب لأول مرة في بومباي سنة ١٣١٤هـ (١٨٩٦م) ثم طبع في القاهرة سنة ١٣٢٧هـ (١٩٠٩م).
وفي هذا الكتاب ذكر الغزالي قصة نجاة المعري بالدعاء، ثم تناقلها المؤرخون، والكتاب جيلا بعد جيل وعصراً بعد عصر من غير نكير ولا شك ولا ارتياب.
ولعل مما جعل المؤرخين ينقلون هذه القصة من غير ارتياب فيها ويتقبلونها على ما فيها - لعل من أسباب ذلك - فوق مكانة الغزالي في قلوب العلماء على تعاقب الأجيال - قرب العهد بين المعري والغزالي، فقد ولد الغزالي بعيد وفاة المعري والمسافة بين سنة ٤٤٩ وفاة المعري وسنة ٤٥٠، سنة مولد الغزالي ليست بذات بال في الحوادث التاريخية. فالغزالي على هذا أول راو لهذه القصة والمصدر الذي استقى منه كل من أتى بعده من المؤرخين.
[قصة نجاة المعري بالدعاء]
بعد هذا التمهيد الوجيز نقدم للقارئ نص القصة كما ذكرها الغزالي قال:
حدثني يوسف بن علي بأرض الهركار، قال: دخلت معرة النعمان وقد وشى وزير محمود بن صالح صاحب حلب إليه بأن المعري زنديق، لا يرى إفساد الصور، ويزعم أن الرسالة تحصل بصفاء العقل. فأمر محمود بحمله إليه من المعرة إلى حلب، وبعث خمسين فارساً ليحملوه، فأنزلهم أبو العلاء دار الضيافة، فدخل عليه عمه مسلم بن سليمان وقال: يابن أخي قد نزلت بنا هذه الحادثة: الملك محمود يطلبك، فإن منعناك عجزنا، وإن أسلمناك كان عاراً