للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قضايا الشباب بين العلم والفلسفة]

للأستاذ إبراهيم البطراوي

- ٤ -

لسائل أن يسألني: إذا كانت جميع الوسائل التي التمسها أولو الأمر لعلاج الأزمات التي يعانيها الشباب قد أخفقت هذا الإخفاق، فأي باب مأمون يمكن أن يطرقه الشباب وهو على يقين من أنه سيجد فيه ضالته وشفاءه وسعادته؟

والحق أقول - وأعتذر إذ أضطر إلى الحديث عن نفسي - أنني بعد أن أفنيت كل عمري العلمي حتى الآن وهاأنذا أناهز (سن الرشد) التي يقولون، وبعد أن أذويت شبابي ومازلت في أبحاث شاقة متشعبة - لم أجد ما أجيب به غير كلمتين اثنتين: العلم والدين. أما الدين فأقصد به الدين النقي الخالص، وأما العلم فأقصد به العلم اليقيني الثابت من ذلك الذي يسميه الإنجليز

وكما يقول بعض الباحثين: (إن الدين وإن انحطت درجته بين الأديان ووهي أساسه، فهو أفضل من طريقة الشك والإلحاد، وأمس بالمدينة ونظام الجمعية الإنسانية، وأجمل أثراً في عقد روابط المعاملات، بل في كل شأن يفيد المجتمع الإنساني، وفي كل ترق بشرى إلى أية درجة من درجات السعادة في هذه الحياة الأولى)

ورحم الله ذلك الفيلسوف العربي الشاعر أبا العلاء حيث يقول:

قال المنجم والطبيب كلاهما: ... لا تحشر الأجساد، قلت إليكما

طهرت ثوبي للصلاة وقبله ... طهر، فأين الطهر من جسديكما؟

إن صح قولكما فلست بخاسر ... أو صح قولي فالخسار عليكما

أما العلم الثابت فلأنه يحترم نفسه ويعرف لها قدرها فلا يزج بها إلى ما فوق طاقتها، ولا يقول عن شيء إنه حقيقة حتى يتثبت بالتجربة الدقيقة الصحيحة؛ ولهذا فحقائقه ثابتة يعكس الفلسفة فمعظمها آراء ظنية يخيل إلينا أصحابها أن الحقيقة هي، ومن هنا نشأ الخلط والتناقض فيها مع الغموض، ولم تكتسب كالعلم صفة البقاء والخلود.

أما العلم فلا يخلط بين الظن والحقيقة - ولاسيما فيما يمس الدين - متعصباً لرأيه كما تفعل الفلسفة؛ بل يقول في تواضعه المعهود على لسان بعض رجاله: (الفرق بين أي اعتقاد ديني

<<  <  ج:
ص:  >  >>