[البحر]
للأستاذ عبد الرحمن شكري
ألا ليتني لج كلجك زاخر ... أعبُّ كما تهوى النهى والبصائر
فكم عبت النفس اللّجوج وحاولت ... كبعض سطاك الآبيات النوافر
وأخفت من الدر النفوسُ ومن حُلًى ... كما اختبأت فيك اللهى والذخائر
كأن بها أُفقاً كأُفقك نائياً ... ومن دونه كل المَدَى يتقاصر
أتطرب من لحن الخرير كأنه ... خواطر تتلوها عليك السرائر
كما طرب النشوان من لحن صوته ... فجاشت لديك الراقصات الزواخر
وإلا فما للموج في اليمِّ راقصاً ... دعاه عذارى البحر شادٍ وشاعر
خريرك يحكي صدحة الدهر صامتاً ... كأنك دهر بالحوادث مائر
هو الدهر لا يخشى المنايا ولا يَهِي ... صِبَاه ولا تقضي عليه المقادر
وأنت شبيه الدهر لا أنت هارم ... ولا أنت منقوص ولا أنت خاسر
ويصطخب الآذيُّ فيك كأنما اص ... طخابك من حكم المنية ساخر
أخَفْقٌ وإعصار ودفع وهبَّة ... كأنك حيٌّ نابض القلب شاعر
فريحك أنفاس وموجك نابض ... كنبض قلوب أعجلته البوادر
خلوتَ من السٌّمَّار كالبيد وامَّحت ... معالم لا تُبْقِي عليها الأعاصر
سِوى شِلْو فُلك قد حدرت إلى الردى ... يلوح كما لاحت رسوم غوائر
وكم جُزُرٍ مثل الجِنان مضيئة ... كأنْ جهلتها الصائلات الدوائر
لَخِيلَتْ نجومً السعد والحب والمنى ... فحنًّ إليها الشّحشحان المُخَاطر
كما حنَّ للآل الخلوب قوافل ... تَخُبُّ بها في البيد إبلكٌ ضوامر
لخلَّفتَ في قلب المخاطِر همة ... على الدهر لا تبلي وتبلى العمائر
يحن إلى ما خلف أُفْقِكَ ناظر ... كما تنشد الغيبَ النهى والبصائر
كأن مُنًى للنفس من خلف أفقه ... تلوح كما لاح السراب المبادر
أو أن محال السعد دُرٌّ مُنظَّمٌ ... على الأفق ينحوه الطلوب المُغامر
بلى كل نفس للغريب مشوقة ... وإن خَوَّفتها من سطاه المحاذر