للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[يبن الغرب والشرق]

للدكتور إسماعيل أحمد أدهم

تتمة

كان ذلك منذ أشهر وكنت أحاضر جمهوراً من الأدباء بكلية الليسيه بالإسكندرية، وكان موضوع المحاضرة (الحياة الإنسانية بين قضاء وقدر الشرق ومذاهب الغرب في حرية الإرادة). وقد جاء في محاضرتي كلام جيد عن الفروق بين أهل الشرق وبين أهل الغرب، لهذا رجعت وأنا أجول جولتي في كلام مناظري الفاضل إليها آخذ منها لردي على المناظر ما أراه ذا صلة وثيقة بالمسألة التي أثارها في العلم والثقافة.

قلت في محاضرتي ما نصه:

(هنالك فرق أساسي في منطق التفكير بين الشرقي والغربي، وهذا الفرق ينحصر في أن الشرقي يبدأ بحثه من الوحدة المتجلية حوله فينتهي للخالق ومنه للطبيعة. بعكس الغربي الذي يبدأ بحثه من التغاير الذي يكتنفه فينتهي للطبيعة ومنها للخالق)

هذا الفرق المشهود في أن الشرقي يبدأ من عالم الغيب لينتهي للعالم المنظور، بعكس الغربي الذي يبدأ من عالم المنظور لينتهي لعالم الغيب - كان سبباً لظهور اللاهوت عند الشرقيين والفلسفة عند الغربيين.

وهذا التباين في منزع التفكير ذهب بالعقل الشرقي إلى الاعتقاد بأن العالم حادث كما انتهى إلى أنه قديم عند الغربيين، ذلك أن الشرقي بدأ بحثه من الخالق فانتهى كما انتهى متكلمة المسلمين إلى أن العالم حادث وأن الخالق مطلق التصرف في الكون منفصل عنه ومدبر له، وأنه السبب لكل ما يحدث والعلة الأولى والأخيرة لكل ما يكون وما سيكون، بينما البحث عن التغاير المشهود في الكون يدفع بالأخذ بأساليب الاستقراء والمشاهدة إلى جانب أسلوب الاستنتاج والنظر، وهذا كله ينتهي بالإنسان كما انتهى بمفكري الغرب إلى أن لكل حادثة سبباً في الكون، وأن للعالم وحدته وانسجامه، وأنه خاضع لنواميس وسنن ثابتة لا تتغير لا في الزمان ولا في المكان، فإذا انتهى إلى الله قيده بهذه السنن والنواميس، وتصبح بذلك إرادة الله مقيدة بنظام هذا الكون وأفعاله قائمة على عنصر اللزوم والاضطرار.

والإنسان من حيث هو كائن في العلم المنظور، فهو في نظر الشرقي خاضع لإرادة عليا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>