كان الحب في القرن السابع عشر يرافق البطولة ويصاحب الشرف. ولقد رأيت أن الأميرة دكليف، خشيت أن تؤذى في الحب. فأفضت إلى زوجها بأنها أحبت، لئلا يمس شرفه وتعر كرامته. فلما أتى القرن الثامن عشر، مالت المرأة إلى دراسة شمائل الرجل وعاداته من خلال الحب. وانقضى ما كان من قبل من حب هائم، يسهر الليل ويذهل اللب، ويضني الفؤاد.
وما لبث الناس أن انطلقوا. . . يلذون، ويفكرون فساقهم هذا الانطلاق البعيد إلى الملل، ودفعهم الملل إلى حب الطبيعة، والرغبة في البساطة، والبعد عن التكلف، مما هيأ النفوس لقبول رواية هيلوئيز الجديدة، والعناية بها.
كان روسو قد أشرف على الخامسة والأربعين من عمره، عندما كتب هذه الرواية وكان قد نشأ ابن ساعاتي في جنيف. ثم ماتت أمه وهو صغير. وفر أبوه من رجال الحكومة وتركه فولج كل باب، ودخل كل مدخل، ثم مضى لاهياً متشرداً لا يحفل أحداً.
واتصل بمدام دفرنس، فكانت خليلته وربيطته من غير أن تحبه. كما كانت جورج ساند ربيطة شوبان من بعده.
ثم تركها وصنع كل صناعة: فكان ناموساً لأرشمندريت، ثم سفيراً، ثم سارقاً، ثم موسيقياً، والى هذا كله، كان فناناً، حالماً، مرهف الحس، رقيق الشعور، يحس جمال الطبيعة، ويعشق اللذائذ الصافية البسيطة، وكان يرنو إلى زرقة السماء، وخضرة الحقول، وجريان المياه. . . ويداعب في نفسه حلما جميلاً.
وقصد باريس، حالماً بالمجد. كان يتمنى نصر الأبطالوخلود العباقرة. ولكن ما هو الثمن الذي ينبغي أن يؤديه؟ لقد اخترع طريقة لترقيم الموسيقى، وكتب غنائية لم ينشرها، ثم أنه يحس أنه قادر على التأليف، فهل يكفي هذا. . .؟