للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في المزرعة]

بقلم إيفان بونين

كان ذلك الوهج الوردي الفاتر المنبعث من الغروب الداوي يغادر السماء متلكئا متباطئا. وتوارى الضوء شيئا فشيئا بين جحافل الظلام التي أخذت تخيم فوق مزارع الغلال الفسيحة المترامية. ثم أمعنت تلك الجحافل في الزحف حثيثا على القرية. . بعد أن أرسلت بعض النوافذ الصغيرة في جدر الأكواخ وميضا نحاسيا خالبا يستبي اللب. كان المساء هادئا ساكنا. قد حشدت قبل قليل قطعان الماشية في حضائرها، واحكمت دونها الرتج والإغلاق. وآب أهل القرية من عملهم المضني فتناول كل عشاءه على الحصباء قبالة أكواخهم ثم غرقوا في صمت ساهم عميق. لا صوت لغناء ولا صرخة لطفل

كل شيء كان يحلم حلمه المسائي. وكان الكابتن ايفانيش وقد جلس إلى نافذته المفتوحة يحلم أيضاً.

كانت (عزبته) فوق رابية آجام واطئة من الاقاقيا والليلاك تحتها انجم كثيفة ملتفة مشتبكة من القراص والحماض تنحدر إلى اسفل في اتجاه الوادي. ومن النوافذ تستطيع العين ان تقطع مسافات شاسعة فوق تلك الأيك والإحراج البالغة مكانا قصيا.

كانت الحقول ساكتة صامتة تحت ذلك الغسق الشاحب، قد انقطعت فيها الحركة. والهواء جافا دافئا عليلا. والنجوم في السماء ترتجف بإستيحاء وفي غموض مبهم كأنما تخفي في باطنها أسراراً لا تدرك وأحاجي لا تحل.

ليس هناك تحت النافذة إلا بضع جنادب دائبة في صريرها المتشابه من غير كلل ولا ملل، وهي في مكامنها تحت عساليج القراص وإلا صيحات السماني المتزنة الآتية من السهل النائي البعيد.

كان الكابتن ايفانيش وحده، كدأبه دائما. لقد كتب له أن يعيش وحيدا يقاسي آلام الوحدة ما بقي حياً.

كان أبواه لا يملكان شيئا، يعيشان في بيت الأمير (نوكايسكي) ماتا إبان طفولتهولما يبلغ من العمر سنة واحدة. قضي أيام طفولته وفتوته في بيت عمة له مخبولة وفي مدرسة أبناء الجنود. كان في شبابه ينظم الأغاني ناسجا فيها نسج ديلفك وكولتسوف. نظم في قصائده

<<  <  ج:
ص:  >  >>