للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشعر في السودان]

للأستاذ على العماري

يقول الدكتور زكي مبارك في تقدمته لديوان الشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير: (فما في بلاد الله مسلمون أصدق من مسلمي السودان، والإسلام قوة روحية سامية لا يمن الله بصفائها على غير المصطفين من عباده الأصفياء. يضاف إلى ذلك أنه عند السودانيين فضيلتين جوهريتين: فضيلة الكرامة، وفضيلة العدل، وتتمثل الأولى في اعتزازهم بأنفسهم اعتزازاً هو الغاية في شرف النفس، أما الفضيلة الثانية فتتمثل في صدق المعاملات؛ فمن النادر جداً أن يحتاج من يعامل تجارهم الكبار إلى الاستعانة بالقضاء). ثم يقول: (المسجد في السودان هو المسجد، ورواده هم المؤمنون، ومسلمو السودان هم البقية الصالحة من رواد مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أجل هذا أغناهم الله بالمعاني، وأنزلهم منازل الكرماء).

وأنا أعرف أن الدكتور زكي لم يهبط أرض السودان، ولم يمتع نظره ومسامعه بمظاهر التدين عند مسلمي السودان، وإني محدثه - لو كان يسمع الآن ويقرأ - حديث الخبير، فما راء كمن سمع:

التدين في البلاد السودانية ظاهرة واضحة بارزة تراها في كل ما تقع عليه عيناك، فالأمانة الطبيعية غير المتكلفة، والأمن في الأنفس والأموال، وهذه الصلوت الخمس التي تقام جماعات في أوقاتها، في الأسواق العامة، وأمام حوانيت التجار، وكم ملأني غبطة وإعجاباً منظر المصلين في ساحة المحطة الوسطى بأم درمان، أو أمام حوانيتهم، يؤمهم أحد التجار، وهم بملابسهم البيض النقية خاشعين خاضعين لله، ثم الكرم الذي لا حد له، والإجلال لعلماء الدين. . . كل هذه مظاهر محببة للتدين العميق في نفوس القوم.

ويظهر هذا التدين بصورة واضحة في شغف السودانيين بالمدائح النبوية، فهي أناشيدهم يترنم بها عالمهم وجاهلهم، ويستمعون إليها، ويستمتعون بهان وربما كان المألوف إذا دعيت إلى وليمة أن يكون من تتمة الإكرام أن تسمع (مديحاً). والمداحون منهم المحترفون، وهؤلاء يدعون في المجتمعات العامة وفي المناسبات الدينية، كليلة الإسراء، أو ليلة القدر، وكثير من البيوت - هنا - تحيي ليالي رمضان بالمديح، ومنهم من دفعته رغبة شخصية،

<<  <  ج:
ص:  >  >>