للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

دوامة الحياة

للكاتب الأمريكي الكبير ا. هنري

بقلم الأستاذ وديع فلسطين

عند باب مكتبه جلس (بناجا ويدب)، القاضي، يدخن غليونه الضخم ويرسل نظراته إلى جبال كمبرلند التي كساها ظلام الأصيل لونا أغبر يميل إلى الزرقة، ومن الطريق العام المنحدر بالمقاطعة، جاءت دجاجة رقطاء تختال وتصيح صياحا أحمق.

وانبعث من أعلى الطريق صوت صريف عجلات، وامتلأ الجو بغبار حجب ما وراءه من مشاهد الطبيعة ومجاليها، ثم بدت مركبة يجرها بغل تحمل (رانسي بلبرو) وزوجته. وقفت المركبة بدار القاضي، فترجل عنها الرجل وزوجه. وكان رانسي أهيف القد، شاحب البشرة داكنها، ذهبي الشعر، يبلغ طول قامته ستة أقدام، تجلله مهابة سكان الجبال فتضفي عليه كساء شبيهاً بحلة من حلل الحرب المدرعة. وكانت المرأة ساذجة ضجرة، تخامرها رغبات غامضة لا تنفك تضايقها ولا تفتأ تقض مضجها. وبدا من خلال تصرفاتها نوع من الاحتجاج الطفيف على الشباب الزائف الذي تفطن إلى فقدانه وبسرعة دس القاضي قدميه في نعليه ليزداد وقاراً؛ ثم تحرك ليفسح لهما الطريق. وقالت المرأة بصوت كصوت الريح حينما تداعب فروع الأشجار: (نريد الطلاق). ثم رمقت رانسي بنظرة فاحصة لتتبين هل لاحظ في تصريحها هذا عيباً أو غموضاً أو مراوغة أو تحيزاً أو مشايعة لنفسها فأومأ رانسي برأسه مؤكداً وردد: (طلاق. . . لم نعد نستطيع أن نعيش معاً، الحياة في الجبال مقفرة وتقتضي أن يعني كل من الرجال والمرأة بشؤونهما. ولكن متى شرعت المرأة تموء كالقط الوحشي، وتنعق كالبومة النمس في كوخ زوجها، فلن يجد الرجل سبباً يحمله على معاشرتها).

وقالت المرأة دون اكتراث: (حين لا يعبأ الرجل بنفسه ويقضي وقته في شرب الخمور واحتساء الويسكي ومعاشرة مقطريها، ويعني فضلا عن ذلك بعدد من كلاب الصيد. . .). فقال رانسي: (حين أن تدأب المرأة على أن تبعثر أغطية الطعام، وعلى صب الماء على

<<  <  ج:
ص:  >  >>