للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مشكلات التاريخ]

نكبة البرامكة

للسيد مصطفى جواد

لعل أغرب ما وهم المؤرخون فعمي عليهم سبب تدمير الرشيد للبرامكة

أنهم عدوا بني برمك دعاة للعلويين ومذيعين لمذهب التشيع في البلاد،

والمشكلة التاريخية إذا استبهم جانب منها تشعب فيها الظنون واختلفت

الآراء واضطربت الأحكام. ولو علم المؤرخون أن البرامكة كانوا

يتقربون إلى الرشيد بالسعي على العلويين والسعي بهم وتبغضيهم

لوجدوا إلى سبب تلك الفتكة الهاشمية سبيلا، وعلى الجلية دليلا،

ولعلموا أنهم لما حق عليهم العذاب دمرهم الله تدميرا،

لم يكن استئثارهم بالحكم وحده سبب هلاكهم، ولا غزارة ثرائهم مدعاة إلى النقمة عليهم، ولا الزواج الذي اختلقته الشعوبية موجبا لاستئصالهم، ولا إلحادهم منبها على عقابهم، وإنما الندامة التي ندمها الرشيد بعد أن استدرجوه إلى تشريد بني عمه العلويين واستحلال دمائهم الزكية وتعذيب الأبرياء منهم العذاب الهون؛ لم يكن الرشيد ملحداً حتى لا يندم، ولا بليداً حتى لا ينتبه، ولا شقيا حتى لا يتوب، ولا مقصراً حتى لا يتدارك. من شفيعهم إليه وقد ولغوا في دماء بني علي وطلبوا الزلفى بتعذيبهم، وأعلوا مراتبهم بخفض العصبية الهاشمية واجتثاث الشجرة النبوية؟ ولقد جرؤوا بالحادهم وسوء سيرتهم أن (جعفرهم) حز رأس حبيسه العلوي (عبد الله الشهيد بن الأفطس) في يوم النوروز، وأهداه إلى الرشيد في طبق الهدايا، فلما رفعت المكبة من فوق الطبق ورأى الرشيد في الطبق رأس ابن عمه استعظم ذلك، فقال له جعفر: ما علمت أبلغ سرورك من حمل رأس عدوك وعدو آبائك إليك، وكان الرشيد قد حبسه عند جعفر وأمره بان يوسع عليه. وقال ذات يوم: اللهم اكفنيه على يدي ولي من أوليائي وأوليائك، فلم يجد هذا الشقي الكفاية إلا بقتله صبراً لا سيف معه يذود به عن نفسه، ولا بنو علي حوله يحيطونه ويكلأونه، ولا شفيع يرد عنه لؤم الزنادقة، وهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>