عاش المازني ما عاش - وقد شارف الشيخوخة - لا ينبض قلبه بغير الشباب. وكانت سنه التي لا تكف عن الارتفاع - كما يقول - تغريه من فرط ما يستشعر امتدادها أن يحسب حوادث حياته بأرباع القرون لا بحساب عدد من السنين، ولكنه إذا ذكر شجون قلبه ومنازل هواه كان كأنما يطوي الأعوام الطوال في لحظات، ويختزل العمر كله في مثل كرة الطرف، وتحس أنه ينقل إليك على الصفحات أو في الكلمات، نبضات قلب فتى يتفتح على حبه الأول في براءة وطهارة ونقاء. .
لهو أطفنا ببكر لذته ... وما فضضنا خواتم العذر
عرف المازني الحب وهو بعد فتى ناشئ، وكانت (هي) جارة له صغيرة في مثل سنه، كالنرجسة فيما يراها. وكان بدأ ما بينهما أنه لقيها يوماً عائدة إلى بيتها، فإذا صارت في (الحارة) إذا هي زحلوقة لا تثبت فيها القدم من كثرة الماء المرشوش، فأسندت يدها على الحائط وناولته يدها الأخرى. ويقول المزني: (لما صارت يدها في يدي شعرت بشيء من الزهو ممزوجاً بالغبطة، وخفت على يدها اللينة البضة أن تؤذيها قبضتي - التي خيل إلي أنها قوية - فجعلت أصابعي حول رسغها حيث العظام فيما بدا لي أقوى على الاحتمال. وكانت مضطرة أن تعتمد علي بجسمها وتلك أول مرة دنت مني أو دنوت منها إلى هذا الحد، وكان شعرها محلولاً ومرسلاً على كتفيها على صدرها فجعلت أدني أنفي منه وأشمه، ولم يكن معطراً كنت أجد له ريحاً طيبة، فلحظت ذلك مني وسألتني وقد جذبت يدها قليلاً: ما هذا الذي تفعله؟