تمتاز بلاد الهند بخصوبة أوديتها، وتعدد نباتاتها وكثافة غاباتها وتعقد مسالكها، وكثرة متعرجاتها ومصاعدها ومهابطها، وتباين أجوائها ومناخاتها، ووفرة التناقض الطبيعي في أرضها وسمائها، فبينما ترى فيها جبالاً شاهقة تتجاوز السحاب سمواً، وهضبات متفرقة تفصل بعضها عن بعض هوى سحيقة وحفر طبيعية عميقة، وتلالاً تتخللها من جهة كثبان ضخمة وتعترضها من الجهة المقابلة صخور عظيمة النتوء صعبة الاجتياز، إذ بك ترى إلى جانب هذا أودية مبسوطة ومروجاً باسمة تتباهى بما تزدان به من ألوان وأفانين الثمار والبقول. وكذلك جوها لا تكاد تحس بدفئه وحرارته حتى يفاجئك بردة ورطوبته، بل أن الإنسان - كما أنبأني أحد الذين أقاموا في هذه البلاد - قد يشكو من شدة الحرارة التي يحس بها في جنبه الأسفل الذي يلي الفراش بينما يألم أشد الألم من الرطوبة التي تصب على جنبه الأعلى. ولا ريب أن هذه طبيعة غريبة قد يدهش لها المصري الذي اعتاد أن يشاهد زيادة النيل ونقصانه، واشتداد البرودة وتوسطها، وارتفاع الحرارة وهبوطها، وحرارة الشمس ووداعتها، وحلول الفصول وارتحالها، كل ذلك في أوقات منظمة محددة لا تختلف إلا لشذوذ نادر يعلله العلماء حيناً ويعجزون عن تعليله حيناً آخر.
كل هذا التعدد في المناظر والمظاهر الطبيعية أثر بارز في عقلية الهنود على رغم ما يوجهه بعض العلماء إلى نظرية تأثير المناظر في العقليات من طعون واعتراضات يحطون بها من شأنها ويحاولون إثبات الأثر كله للعنصر ومواهبه الفطرية.
ومهما يكن من الأمر فقد استطاع التاريخ أن يتغلغل بالمدنية الهندية في أغوار الماضي مدى ثلاثين قرناً قبل المسيح إذ يحدثنا أن تلك الأودية المخصبة كانت في ذلك العهد مأهولة بقوم من الجنس السامي لهم مدنيتهم وديانتهم وتفكيرهم، وأن هؤلاء القوم قد ساهموا في