بناء صرح المدنية العالمية بنصيب وافر، وكان لهم في تاريخ الفكر البشري مجهود جبار ظل مجهولاً أو غامضاً على الأقل حتى قام العلماء الأثريون والمستشرقون بمكتشفاتهم العلمية وأماطوا اللثام عن هذه الحقائق الناصعة وساعدوا البحث الحديث على رد الأشياء إلى أصولها، وأبانوا أن الديانات الهندية المتأخرة والفلسفات العويصة التي ظهرت في تلك الأصقاع إنما تتصل بالعناصر السامية القديمة أضعاف اتصالها بالمنتجات الآرية التي غمرت الهند بعد الفتح الأجنبي.
يحدثنا بعض المؤرخين أن الهند كانت قبل هذا الفتح الآري قبائل متفرقة أو شعوباً صغيرة، لكل شعب حاكمه وقوانينه وعقائده وعاداته، وأن الوحدة السياسية والعمرانية إنما وجدت فيها على أيدي أولئك الفاتحين (الآريين) الذين يزعم الأستاذ (ماسون) أنهم كانوا في أزمنة لا تعيها ذاكرة التاريخ يقطنون وادي (الدانوب) المخصب في تلك العهود الغابرة، ثم عبروا البوسفور إلى آسيا لضرورة العيش الذي ألجأهم إليه قحل وقع في وطنهم قبل هذه الهجرة التي لم تكن مألوفة لديهم على عكس الشعوب الآسيوية الرحالة. ومازالوا يتابعون سيرهم انتجاعاً للغيث فعبروا الفرات وواصلوا الزحف حتى (البنجاب) وأخذوا يغيرون على تلك البلاد الخصبة الوادعة حتى بسطوا سلطانهم وأسسوا بها وحدات قوية يصح أن تسمى دولاً، وكان ذلك حوالي القرن الخامس عشر قبل المسيح. ومنذ ذلك العهد بدأت الهند في مرحلة جديدة في الدين والفلسفة والعلم والسياسة، وهذه المرحلة هي التي تشغل الآن أذهان الباحثين المشتغلين بدراسة الفلسفة الهندية.
أما الأغصان الأخرى التي بقيت في الدانوب من تلك الدوحة الآرية فقد انتشرت في أوربا يحمل كل غصن منها اسماً خاصاً به مثل (السيلت) و (الجرمان) و (السلاف) و (الاتين) و (الهيلين) وقد خالف أصحاب هذه الفكرة الرأي القديم القائل بأن أصل العنصر الآري كان يقيم في بلاد الهند ثم ارتحلت منه بطون إلى أوربا فكانت منشأ هذه الأجناس السابقة الذكر. ولا ريب أن لكل منهما أدلة خاصة.
غير أن النار لم تكن هي الإله الأوحد عند هؤلاء القوم تؤيد مذهبه، لأن مجرد اتفاق هذه الأجناس الأوربية مع آريي الهند في اللغة (السنسكريتية) وفي بعض العقائد والنظريات لا يؤيد الرأي الأول ولا ينصر الثاني؛ غير أن أصحاب الرأي الحديث يزعمون أن مكتشفات