ولست ضعيف الأمل في بلوغ الغاية من هذه الطريق المرهوبة، لأن الاستعمار والاستغلال هما آفة هذا العصر في علاقات الدول وعلاقات الأفراد. ولابد أن يتأثر الاستعمار والاستغلال معاً بعد انطلاق قوة المادة من خزائنها التي كانت محبوسة فيها. فنرجو أن يكون التغير المنظور للتحسين لا للتسوئة، فإن التسوئة لا تنفع أحداً من المستعمرين ولا المستغلين، وفيها ضير محقق عليهم أجمعين.
ينشأ الاستعمار من الحاجة إلى الخامات والوقود والأسواق، ومن أجل هذه المطالب تسيطر الدول الكبرى على سبل المواصلات وتحتل المسائح البعيدة وتجور على سيادة الأمم الضعيفة بما تشاء من المعاذير والتعلات
وينشأ الاستغلال من احتكار أصحاب الأموال الوافرة الموارد الصناعة والوقود، وقدرتهم على تسخير الأيدي العاملة في صنع أدوات المعيشة بأرخص الأجور
فإذا استغنت الدول عن النفط والفحم وسائر أنواع الوقود، أو خفت حاجتها إليها، وإذا أمكن تحويل العناصر بالطاقة الهائلة التي تنطلق من خزائن الذرات على اختلافها، وإذا تيسر استبدال بعض المزروعات ببعض المصنوعات، أو تيسر الحصول على المزروعات بجهد قليل ونفقة أهون من نفقتها اليوم، وإذا صحب هذا الانقلاب ما سيصحبه حتما من تغير العلاقات بين الأمم، فهل نغلو في الرجاء إذا قلنا أن الأقوياء يستغنون يومئذ عن التحكم في الضعفاء، وإن الاستعمار ينقضي شيئاً فشيئاً، لأنه عدوان لا تدعو إليه الضرورة ولا يساوي ما فيه من عنت وما يدور حوله من نزاع؟
كذلك نرجو أن يبطل الاستغلال إذا أمكنت إدارة المصانع بغير الحاجة إلى رؤوس الأموال الكبيرة، أو بغير الاعتماد على شركات الاحتكار والاغتصاب. فلا حاجة إذن إلى إرهاق العمال في استخراج الثمرات والمصنوعات، ولا حاجة بالعمال أنفسهم إلى العناء الشديد لاستحقاق الأجور الكافية لتحصيل أسباب المعيشة الرخية، فقد تتيسر الأشياء لطالبيها