من عجيب عيوب الكتاب سوء فهم صاحبه لنصوص تعرض لها؛ فإن أقل ما ينتظر من أديب متخصص إلا يخطئ معنى نص إن عرض له في بحث؛ فإذا هو أخطأ كما أخطأ صاحب الكتاب كان ذلك دليل نقص في الفهم أو الفكر أو نقص في الإخلاص للحق الذي زعم أنه يبحث عنه. ونحن موردون لهذه الظاهرة في الكتاب أمثلة شتى تختلف في أهميتها وتتفق في دلالتها
وأول ما نذكر من ذلك موقفه من الآية الكريمة:(وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذن لأرتاب المبطلون)؛ فقد احتج بها لنفسه على المسيو مرسيه، كما سبق أن أشرنا في بعض ما سبق من الكلمات. المسيو مرسيه ينكر إنكاراً مطلقاً أن يكون في العصر الجاهلي نثر فني أو مؤلفات نثرية، وصاحب الكتاب يزعم أنه كانت هناك كتب دينية وأدبية. وحجة المسيو مرسيه أنه لو كانت هناك مؤلفات نثرية لدونت وحفظت ونقلت إلينا كلها أو بعضها، كما هو الشأن في آثار الهند والفرس والروم. وحجة زكي مبارك أن فقدان تلك الآثار لا يكفي لإنكار أنها كانت موجودة، وأن القرآن يشير إلى أنه كانت هناك كتب دينية وأدبية لم يطلع عليها النبي، فيتهم بتلفيق القرآن مما قرأ فيها (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذن لارتاب المبطلون) كما يستشهد صاحب الكتاب
والآية الكريمة لا تدل على شيء مما ذهب إليه زكي مبارك لأن الحجة فيها تصدق بأمية الرسول صلوات الله عليه مع عدم وجود الكتب، كما تصدق بأمية الرسول مع وجود بعض الكتب. ووجود بعض الكتب يصدق بوجود التوراة التي كان معروفاً أنها موجودة، وحاكم الرسول أهل الكتاب إليها في أكثر من حادثة. فاستشهاد صاحب النثر الفني بالآية على وجود كتب دينية وأدبية لعرب الجاهلية تعسف وتصيد للدليل. فهو قد جرى مع الهوى إن كان قد فهم الآية، وهو لم يفهم الآية إن كان لم يجر مع الهوى. وقد كان واجباً عليه إن كان