يبحث للحق لا الهوى أن يقارن هذه الآية بأمثالها من القرآن ليفسر بعضها ببعض، ولينظر هل تنصره الآيات الأخرى فيما ذهب إليه؛ ولو فعل لواجهته آيات عدة كلها تشهد ضده: مثل قوله تعالى (أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون)
وقوله تعالى:(ايتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين)
وقوله تعالى:(أم لكم سلطان مبين. فائتوا بكتابكم إن كنتم صادقين)
وقوله تعالى:(أم لكم كتاب فيه تدرسون)
وقوله تعالى:(وما آتيناهم من كتب يدرسونها، وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)
فهذه كلها آيات تدل على عكس ما فهم زكي مبارك من الآية التي استشهد بها من سورة العنكبوت وأخطأ فذكر أنها من سورة القصص؛ والآيات التي أوردناها تتدرج في تعميم النفي، نفي ما ذهب إليه زكي مبارك حتى لا تدع الآيتان الأخيرتان منها عند المسترشد بالقرآن شكا في أن الجاهليين لم يكن لديهم كتب تدرس في الدين أو في الأدب. وهذا يتفق مع وصف الله إياهم بالأميين في قوله سبحانه من سورة الجمعة:(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته وزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)؛ كما يتفق مع الحديث الصحيح: نحن أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا. فهذه كلها نصوص تشهد على صاحب النثر الفني أنه لم يفهم آية سورة العنكبوت، وتتركه كالسفينة على اليبس ليس له إلى ما يريد من سبيل
هذا مثل من سوء فهم صاحب الكتاب وفساد طريقته، أو من عجزه حين يتطلب منه البحث شيئاً من التحقيق. ومثل آخر هو أعجب من هذا وأقبح، موقفه من آية أخرى، آية سورة هود. فإنه بعد أن أبدأ وأعاد في أن القرآن من جنس كلام العرب وجوهره ومعدنه، لا يمتاز - زعم - بالأسلوب ولكن بقوة المعنى وقوة الروح، أراد أن يفسر لماذا لم يأتوا بشيء من مثله فقال:
(القرآن نفسه فصَل في هذه المسالة حين قال (فائتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين). فلتتأمل جيداً عبارة (إن كنتم صادقين) ففيها الجواب كل الجواب. وهل كان في مقدور العرب أن يكونوا جميعاً أنبياء حتى يصلوا إلى ما وصل إليه مواطنهم وزعيمهم وسيدهم محمد بن عبد الله الذي صدقت كلمتهم فيه قبل