للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أخي صاحب (الرسالة)]

لصاحب العزة الدكتور عبد الوهاب عزام بك

أخَّرتني الأسفار والأشغال عن الاطلاع على الكلمة الكريمة التي قفَّيتَ بها على الفصول الأربعة عشر التي كتبتُها لقراء الرسالة؛ فلعلك قابل عذري في تأخير الجواب والشكر.

فأما رأيك في الكاتب وفي فصوله فقد سرَّني وحفزني إلى أن أصدَق ظنك بي ورجاءك فيَّ. وناهيك بشهادة الزيَّات، وإعجابه بمقالات، وحسبك صاحب الرسالة كاتباً وشاهداً.

وقد عجبتَ وألِمتَ من الناس لا يُبالون (بكلام يُشرق فيه الحق، وعلاج يهدي إليه العقل)، وأَعجبُ من هذا أن كثيراً من كتابنا وممن يتصدرون للتفكير والتحرير، سيرون في أقوالهم وأفعالهم سيرةً أصدقُ أسمائها أنها (الاستسلام للتيار)؛ فهم يرضون بكل بدعة، ويسايرون كل ضلالة، جرياً مع التيار، وسيراً مع الحياة، وخضوعاً للشهرة (المُودة). وإنَّ من نكد الدنيا أن تتقلب العقول والآراء مع المودة كما تتقلب أثواب النساء في هذا العصر.

وشدَّ ما يُؤلم العاقلَ الناقدَ أن يتسمى هؤلاء المسايرُون المستسلمون أحراراً وأن يهزءوا بكل ما يدعو إلى رشد، أو ينذر قومه ألا يسيروا إلى الهاوية.

وأشد إيلاماً من هذا أن الناقدين المتثبتين الداعين إلى المحافظة على ما عندنا من خير، ورد ما يأتينا من شر، تأخذهم أحياناً رهبة هذا الموكب، موكب العصر في صخبه وضوضائه، ودعاويه وأهوائه، وفتنه وزخارفه، ويرهبون أحياناً هؤلاء المسايرين للموكب يصفقون له، ويهتفون به، ويسخرون بكل ما يعترض طريقه أو يتجنب المسير فيه.

إن الخارجين على سنننا وآدابنا ليسوا في حاجة إلى المطالبة بالحرية، فهم يظفرون بها في كل مكان؛ إنما يطلب الحرية فلا يظفر بها هؤلاء المستمسكون بتاريخهم وآدابهم. أضرب مثلاً المرأة التي تسبح في البحر وترود على شاطئه عارية أو كالعارية، لها الحرية أن تسبح وترود أينما شاءت ومتى شاءت؛ ولكن المسكينة التي تريد أن تستمتع بماء البحر وهوائه وشمسه وتأبى أن يراها الناس في لباس البحر، لا تجد حريتها ولا تمكَّن مما تريد، ولا يحميها القانون لييسر لها الاستمتاع بالبحر، ولا يخصص لها مكان أو زمان لتستمتع بحريتها وتستمسك بأخلاقها.

والأمثال في هذا كثيرة والقياس يسير والخطب جليل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>