قرأت مقالكم الممتع، تحت عنوان (مجمع البحور وملتقى الأوزان) فوجدت فيه من الطرافة ما يدل على التفوق في الذوق، غير أني أخذت عليكم فيه مأخذين أدلي بهما إليكم وإلى قراء مجلة (الرسالة) الكرام.
(١) قد ذهبتم إلى أن الشعر المرسل قريب العهد في الحدوث. وهذا غير الواقع فقد أنشد أبو عبيدة لأبنة أبي مُسافع وقد قتل أبوها يوم بدر:
فما ليثُ غريفٍ ذو ... أظافير وأقدام
كحييّ إذا تلاقوا
وَ ... وجوه القوم أقرانُ
وأنت الطاعن النجلا ... َء مزبدٌ آنًِ
وبالكف حسامٌ صا ... رم أبيض خذامُ
وقد تركب بالركبِ ... وما نحن بصحبانِ
وتجدون هذه الأبيات في (الموشح) للمرزُباني، (ص٢٠) ومن يدري؟ فلعل هناك كثيراً من قصائد الشعر المرسل ذهبت بها أيدي الضياع. والمعروف أن الأستاذ الزهاوي هو الشاعر الوحيد في المحدثين الذي رفع لواء الشعر المرسل، ولا أعلم العلة التي حدت بكم إلى إغفال ذكره في الموضوع، وهو معيد الفكرة إلى نشأتها الأولى.
(٢) أنكم عبتم على أمير الشعراء عدم التزامه وزناً واحداً في رواياته؛ وأنا أقول: لو أن شوقي رحمه الله أجهد نفسه، وتكلف الكثير حتى جاء برواياته، من بحر واحد وقافية واحدة لقال الناس ولقلت أنت أيضاً: إن شوقي قد وضع في عنق الشعر طوقاً يغله به في عصر الحرية والإنطلاق، وأنه مقلد وقديم في عهد التمرد والابتكار. ولكنا إذا صرفنا النظر عن كل هذه الاعتبارات، ونظرنا إلى الموضوع من حيث أن تلك الروايات إنما وضعت للتمثيل خاصة، تجلى لنا الموقف الذي ظهر في شوقي وهو يقدم لأدب الضاد مادة طريفة دلل بها على أن لغة القرآن لا تضيق بكل ضرب من ضروب التفكير، وكل فن من فنون الأداء وأن في الشعر ما يصلح أداة للتمثيل.
أنا لا أختلف وإياكم فيما يحدثه نظم القطعة الواحدة من بحور متعددة من الشعور بنفرة