للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الانتقال المباشر في الموضوع الواحد. ولكن هذه المفارقة النافرة في الذوق لا يبقى لها أثر متى لا حظنا أن الشعر خاص بالتمثيل وأنه نظم ليلقى على المسرح بغير لسان واحد. فانتقال الإلقاء من هذا إلى ذاك مما تضيع به فائدة المحافظة على البحر والقافية في قاعة التمثيل فضلا عما يحدثه التمثيل ذاته في أنفس السامعين من الاتجاه إلى الحادثة وتسلسل المواقف دون الالتفات إلى أن هذا يسأل من بحر الخفيف وذاك يرسل الجواب من بحر الطويل. وقد حضرت روايات شوقي التي مثلتها الفرق المصرية في العراق فلم أجد في نفسي أثراً لاختلاف البحور والقوافي ولم أسمع من غيري شيئا من هذا. ويظهر أن فكرتكم قد تولدت من القراءة المجردة دون أن تقترن بالروح التي تبعثها مشاهدة التمثيل. وما كان شوقي بعاجز عن أن يوحد البحور والقوافي في رواياته بشيء من الجهد وهو أمير الشعراء، ولو كان قد تكلف اجتياز هذه العقبة الكأداء لما وفق في الموضوع إلى المدى الذي انتهى إليه من البراعة في حبكة الرواية والإتيان بأرفع الخواطر سمى ذلك لأن الشعر ذاته في حاجة (بالتمثيل) إلى كل هذه التوسعة وإلا طغت الألفاظ على المعاني وجاءت المواقف في شيء كثير من البرود والجفاف مهما بلغ الشاعر حظا عظيما من فيض العبقرية. ويظهر أن الأبيات التي استشهدتم بها من رواية قمبيز ليست ثلاثة ومصرعا (بفتح الراء) وإنما هي أربعة أبيات باعتبار قوله:

بخٍ بخٍ ... بنتَ أخي

بيتاً واحداً مصرعاً (بتشديد الراء) كما يدل عليه التشكيل في الرواية وعلى حد قوله في (قمبيز) أيضاً:

النوبُ جيلْ ... حر أصيلْ=يقضي الديونْ

نحن الأسود ... حمر الجلودْ=حمر العيونْ

لنا لبدْ ... من الزردْ=هي الحصونْ

إلى آخر القطعة (ص ٩٨) وهناك كثير من أمثال ذلك وهو بحر جديد يستسيغه الذوق طبعاً. وبذلك يرتفع ما يؤخذ على شوقي من استساغته اختلاف البحر في البيت الواحد، وذلك لا يصح صدوره من شاعر، لأن البيت في الشعر وحدة مستقلة الذات في القصيدة، وهذا الاستقلال يفرض معه اتحاد البحر في البيت الواحد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>