عرفت الرافعي رحمه الله، واتصلت بيني وبينه أسباب المودة في دار الرسالة أعواما ثلاثة؛ وأعرف سعيداً - متعني الله بطول صحبته - معرفة وثوق وخبرة. لذلك أراني شديد الغبطة أن أقدم إلى قراء العربية كتابا عن الرافعي جرت به براعة سعيد. . .
يعتبر هذا النوع من الكتب (كتب التراجم) من أهم أبواب الأدب عند الأمم الغربية؛ ولقد عظمت عنايتهم بتلك المؤلفات التي يجمع الواحد فيها بين دفتيه حياة رجل كان له في الحياة الإنسانية خطره وكانت له فيها رسالته؛ ولذلك كانت تلك الكتب واسعة الانتشار إذ يجد القراء فيها إلى جانب الدراسة والتحليل المتعة واللذة، وأي متعة أدبية هي أجمل من أن تصاحب عظيما لحظة من الزمن على صفحات كتاب؟
ولقد صار هذا النوع من المؤلفات فناً بذاته وصارت له أصول وأوضاع كما هو الحال في القصص والشعر وغيرها من فروع الأدب؛ فلابد فيه من الإحاطة بالموضوع عامة وفهم فن المترجم له ورسالته خاصة، ولابد من سلامة المنطق وعمق النظرة وتقصيها؛ ولا بد من الإنصاف والنزاهة واللباقة، ثم لابد بعد ذلك مما يجب توفره في كل أثر أدبي من استقامة الأسلوب وجماله وبلاغته
فإذا أضفت إلى ما سلف معرفة الكاتب بالمترجم له وصلته به شخصياً، فهنا الكمال الذي لا مطمع بعده؛ وبقدر ما يكون من هذه الصلة تكون قيمة الترجمة وخطرها، ولذلك كان طبيعياً أن يعد هذا القسم الخاص من كتب التراجم أكثرها أصالة في هذا الفن وأعظمها استهواء للقراء، بله قيمتها من حيث صحة الإسناد وصدق الرواية
والرجل العظيم، كاتباً كان أو سياسياً أو جندياً أو ما سوى هؤلاء، لا يعرف من آثاره أو أعماله وحدها، فلابد من تمام المعرفة به من درس حياته، فمن ظروف تلك الحياة ولدت آثاره ومنها استوى له مزاجه ونشأ وجدتنه