قبل نشوب الحرب العالمي الأخيرة عمدت بريطانيا إلى التفرقة بين دول الشرق الأدنى، مستخدمة شتى الوسائل لفصل بعضها عن البعض الآخر، إلى حد جعل المبادئ الإسلامية العظيمة تنهار، تلك المبادئ التي تدعو، وتهدف إلى اتحاد جميع الدول الإسلامية.
ثم نشبت الحرب التي أثبتت أنه من المستحيل على الدول الصغرى أن تعيش في عصر بلغت فيه الأسلحة وبالأخص القنبلة الذرية من القوة ما بلغت في هذه الأيام.
وكيف تقف تركيا، على سبيل المثال، في وجه الاعتداء الروسي إذا وقع؟ إن القضاء على أداة الحرب التركية أمر سهل لسبب بسيط هو أن مساحة تركيا محدودة، فلا يمكنها أن تنقل المصانع الحربية التي يعتمد عليها جيشها إلى حيث يعجز الأعداء عن الوصول إليها، أما روسيا، وهي الدولة الكبيرة، فإن اتساع أراضيها من الأسباب التي جعلت الألمان يعجزون عن مد أيديهم إلى مصانعها الحربية، لأنها أقيمت على مدى أبعد من أن تصله قاذفات قنابلهم.
إن (حياة) الدول الإسلامية، وبينها تركيا، تعتمد قبل كل شيء على استمرار الخلاف بين روسيا وبريطانيا، وإذا حدث، بطريقة ما، أن تم الاتفاق بينها، ثم تفرعت الدولتان لتقسيم الدول الإسلامية فيما بينهما، فلن يكون لهذه الدول من مستقبل إلا أن تقيد إلى الأبد في سلاسل العبودية، ولن تكون قادرة في يوم من الأيام على تحطيم هذه السلاسل.
وقد يقال إن اتحاد روسيا مع بريطانيا أمر مستحيل، لأن الاختلاف في مبادئ الدولتين اختلاف جوهري، ومع ذلك فإن بريطانيا دولة (نهازة للفرص) ولا يمكن الاعتماد على ميول سياستها الخارجية أو (وعودها) لسبب بسيط، هو أن هذه الميول والاتجاهات عرضة للتغيير إذا اقتضت الحاجة ذلك!
وإذا قررت الدول الإسلامية أن تتحد وتقيم حكومة تشرف على هذا الاتحاد، فسيعني ذلك (بعث) العالم الإسلامي بطرقه الجوية، والبحرية، والبرية، الممتدة من الشرق إلى الغرب، عالم يتحكم في سواحل البحر الأبيض المتوسط من مراكش إلى اسطنبول، عالم يملك البحر