أوردت في مقالي السابق (حول بعث القديم) خمس ملاحظات مما عن لي ملاحظته على مقال الدكتور محمد مندور (بعث القديم) وهأنذا أعود إلى مناقشة رأي الدكتور في المنفلوطي، وانقسام النثر إلى تيارين الآن، كما وعدت في آخر مقالي السابق، وكما أبيت على نفسي هناك أن أقف فيما لاحظت موقفاً سلبياً، فوقفت بعده موقفاً إيجابياً - سأقف هنا ليكون الرأي أوضح والكلام أتم، وسألزم نفسي الإيجاز هنا، كما ألزمتها إياه هناك لضيق المقام
رأي الدكتور أن القصة بمجرد ظهورها أخذت تغذي السجع بمادة الفكر، على نحو ما نجد في المويلحي (محمد)، ثم شاع الفكر بعدها، ومنها إلى المقالة (على نحو ما نجد عند السيد توفيق البكري الذي جمع في أسلوبه بين الصنعة اللفظية وجمال الصورة الخيالية وصدق الإحساس أو أصالة الرأي). ثم خطا النثر خطوة أخرى في القرن العشرين على يد المنفلوطي، فأصبح كالنثر الأوربي (تعبيراً مباشراً عن فكر غني أو إحساس صادق). ثم قال:(واليوم ننظر في نثرنا فنرى تيارين كبيرين ينطوي في أثناء أحدهما المويلحي والبكري ومصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات، على اختلاف في الأمزجة وعمق التفكير أو الإحساس، ولكنهم يجتمعون معاً في خاصية واحدة، هي أنهم وإن يكونوا أبعد من أن يمثلوا في شيء اللفظية التي سادت في عصور مصر الإسلامية المتأخرة، إلا أنهم رغم ذلك يحرصون على تجويد العبارة تجويداً فنياً، ويخضعون الفكر أو الإحساس لطرق الأداء، حتى ليأخذك في أدبهم جمال الصياغة قبل أصالة الموضوع، أو تحس بأن تلك الأصالة قد اضطرتهم إليها أصول الأسلوب التي ينتهجونها. والتيار الثاني يبتدئ كما قلنا بالمنفلوطي، ذلك الرجل المرهف الإحساس العذب الأسلوب. ذلك الكاتب الذي غذى أجيال الشباب الناهضة أجمل الغذاء، وبلغ من التأثير في نفوسهم ما لم يكد يبلغه كاتب آخر)
ولا تعنيني هنا مناقشة رأي الدكتور في تقدم الجد الفكري في القصة على المقال، فقد خالفته في ذلك ونقضته في المقال السابق، بل يعنيني ما نقلته بعد ذلك، وغنما ذكرته