قرأت في إحدى رسائل الأدب هذه النادرة اللطيفة:(أهدي إلى ملك الهند ثياب وحليّ، فدعا بامرأتين له وخَّير أحظاهما عنده بين اللباس والحلية. وكان وزيره حاضراً، فنظرت المرأة إليه كالمستشيرة له، فغمزها باللباس تغضيناً بعينه، فلحظه الملك. فاختارت المحظية الحلية لئلا يفطن للغمزة. ومكث الوزير أربعين سنة كاسراً عينه، لكي تقر تلك في نفس الملك، وليظن أنها عادة أو خلقة لازمة. وصارت الثياب للأخرى). قد يلتمس العذر لذاك الوزير المسكين بخوفه من غضب الملك وبطشه وحرصه على منصبه. ولكن ما عذر من يلزم النفس طائعاً مختاراً حركات وإشارات ونبرات وانتحال صفات دخيلة على الطبع الأصيل، فتنقلب الفتاة أو الشاب إلى قرد يقلد أو غراب يحاكي الطاووس! إن أشد ما يخدع المرء نفسه أن يتكلف ما يشذ عن طبعه، ويجرده من شخصيته التي تميزه عن غيره. إنما يدل ذلك على احتقار المرء نفسه واعتبارها من التفاهة بحيث تلغي وجودها وتستعير غيرها. وما عرف زمن كهذا العصر الميكانيكي الذي كثر من يخرجون فيه على غرار واحد كما تخرج الآلة صنوف الألوان والأنماط من متشابه المنتجات. ولعل مرجع هذه الظاهرة (الآلة السينمائية) أيضاً! فإن ما يزينه المرحون والدعاة للمتهافتات والمتهافتين أغرى فتياتنا وشبابنا بمحاكاة ما يصدر عن هذه الشخوص من حركة ترى أو لهجة تسمع. ولقد أصبح المثل الأعلى اليوم للفتاة والفتى بطلاً موهوماً أو نجمة لا سماء لهل. وأضحى الجميع على إلمام دقيق بحياة الممثلات والممثلين مما لم يظفر به درس بطل من أبطال التاريخ ورجال الإنسانية. إن هذه الفطرة السليمة البسيطة التي تتجلى في حركات أخواتنا الريفيات لمما يحملنا على الميل إليهن والإعجاب بخلالهن الكريمة النقية. فكما تزهو في ربوعهن الناضرة الوردة والوردة، وشتان ما بينهما من نسق ورواء وشذا، أو الشجرة والشجرة، وشتان ما بينهما من ثمر وجني؛ كذلك ترى الفتاة والفتاة، وشتان ما بينهما من سناء وسنا.