للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من سير الرجال]

أميران. . .

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

في العصر العباسي الأول كان أميران. . . عاصر أولهما الخليفة المنصور في طفولة الدولة، وعاصر الثاني (المعتصم) في اكتمال شبابها. ولكل منهما في الأمارة حوادث وأخبار

في عصر المنصور بنيت بغداد، وجذب الخليفة إليها أنظار الناس ترغيباً في الإقامة فيها. وقرب إليه الدعاة ممن توسم فيهم نبلة الأصل، وضخامة المجد الموروث.

وكانت اليمن في ذلك الحين محتاجة إلى وال رحب الباع، فسيح الحلم، حسن السياسة، مبسوط اليدين، فلم يجد الخليفة في غير معن بن زائدة طلبته

والأمير معن عريق في النسب، فهو من بني مطر الذين يقول فيهم الشاعر:

بها ليل في الإسلام سادوا ولم يكن ... كأولهم في الجاهلية أول

ولم يكن الأمير معن بخيلاً بعطاء، ولا ضنيناً بمعروف، بل كان يعطي عن سعة، حتى أدهش الناس بعطائه فقصدوه، والمورد العذب يكثر الزحام عليه

والكرم وحده ليس مزية الرجال. ففي الدنيا كرام يقلون أو يكثرون، ولكن مزية الرجل هي الكرم مع المروءة والجود مع الهمة، والعرف مع الأريحية، ومن هنا كانت شهرة معن. ومن هنا كان اسمه في سجل أرباب المروءات

فقد يعطي الكريم اضطراراً، أو مداراة، أو دفعا لمظنة، أو شراء لعرض، ولكن (معنا) كان يعطي للذة العطاء، ولاتصال المعروف، حتى بلغ كرمه إلى عدوه، ووصل نداه إلى خصمه، لأنه يفرق بين المعروف والخصومة

حدثوا عن هذا الأمير إنه كان جالساً وعلى رأسه صاحب شرطته، فإذا براكب مقبل يتهيأ للنزول، فقال معن لرئيس شرطته: ما أحسب الرجل يريد غيري. ثم أشار إلى حاجبه قائلاً: لا تحجب الرجل عني فلعل له حاجة، فنزل الرجل ومثل بين يدي الأمير وأنشد:

أصلحك الله قل ما بيدي ... فما أطيق العيال إذ كثروا

ألح دهر رمى بكلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا

<<  <  ج:
ص:  >  >>