يا بني! لا جدال في أن عصر النهضة الإيطالية عصر ربيع الحياة الفنية العظيمة؛ أورق الفن فيه وأزهر، ونهض الرسم نهضة قوية جبارة، إذ نفض عن كاهله رماد الموت، ونفخ في هيكله روح حياة جديدة، فجاءنا بكل شهي بهي، وأسعف ذوقنا بكل رائع خلاب
أوجد من الرجال العظام ومن الرسامين الفطاحل ما يدهش لمده وحصره كل قارئ وكل مؤرخ: رجال أكفاء، أفذاذ، في المناقب والأعمال، جبابرة في التفكير، عظماء في الإبداع والخيال
وكلنا مشوق ولا شك إلى دراسة حياة رجالات هذا العصر، لتفهم طراز درسهم للفن، وطرق تدرجهم نحو ذروة الكمال والمجد: بعد أن طواهم الردى واحتوتهم الرموس ومن الغريب العجيب كما قال (أوسيان) أننا حين ذكرانا لهم وتتبعنا لخطواتهم ينهضون معاً ويأتوننا مجتمعين ليذكرونا بقيمة فهم المتحد المشترك، وبقوة الدهر الذي عاشوا بين أحضانه حتى اصبحوا خير مثل
هناك حوادث كثيرة، ومناقب طريفة نقلنا إلينا تاريخهم العامر المجيد، قد نظنها عند سماعها إنها من خيال الكتاب أو من تزويق الرواة مستحيلة الوقوع خارقة لطبيعة الواقع. ولكن ها هي آثارهم الخالدة لا تزال تستهوي لبناً بعد أن طواها البلى، فكيف بها وقت أن كانت في صبح شبابها الرائع، وفي عصرها الذهبي الذاهب؟!
هناك قصة يهلع لسماعها القلب ويخشع، هي قصة الفنان العظيم (فرانشيسكو فرانشا) أستاذ المدرسة البولونية اللومباردية
ولد فرانشيسكو فرانشا في أسرة متواضعة فقيرة
ثم جعله أهله في صغره عند صائغ فكان الفن الرفيع متجلياً فيما يبدع. ولما شب كان أمراء (لومبارديا) يتقدمون إليه لينقش لهم صورهم على العملة التي كانوا يسكنوها. ولم يقتصر الإعجاب به على أمراء بلده فحسب، بل تدعاهم إلى أمراء المقاطعات المجاورة، فكانوا هؤلاء إذا زاروا (بولونيا) - موطن الفنان - أوفضوا إليه ليطبع صورهم على اللوحات