المعدنية، وينقشها على العملة التي يريدونها، كما كان يصنع لأمراء بلدة وأقيالها
ومع ما بلغه فرانشيسكو من المنزلة السامية والمكانة المرموقة كانت نفسه التواقة تتطلع إلى ذروة أسمى مما وصلت. ولما بلغ الأربعين حولاً، وجه عزيمته الجبارة لشق طريق جديد لم يسلكها أحد قبله. . . تعتمد على العلم والدراسة والذوق والحس. . . وها هوذا يبدأ بدراسة الرسم، فيدرس توافق وتراكيب الرسوم، وتناسب وامتزاج الألوان، وأثر وقوى النور، وأساليب رسم المنظور بالطرق الهندسية. فاستطاع بعد هذه الدراسة يخط في مدة قصيرة لنفسه طريقة جديدة في عالم التصوير: هي المعروفة في التاريخ (باسم المدرسة البولونية اللومباردية)
اعترى سكان لومبارديا ضرب من الذهول والتعجب حين طلع عليهم فرانشيسكو بلوحاته الجميلة وجاماته البديعة، وكانوا يعتقدون استحالة الجمع بين النقش والتصوير، وخاصة بهذه السرعة العجيبة. ولكن الأمراء لم يسيروا مع ذهولهم ولم تطل ساعة تعجبهم بل راحوا يختطون ما أنتج من لوحات وما أبدع من جامات ليزينوا بها دورهم وقصورهم كما كانوا يستبقون قبلاً لشراء آثاره المعدنية المنقوشة. . .
نال فرانشيسكو فرانشا منزلة سامية في الرسم لا تقل عن منزلته في النقش في وقت كان فيه اسم (رافائيللو سانسيو) العظيم فنان روما وصاحب الحظوة عند البابا، قد سار به الركبان وردده الخافقان. فنجاح فرانشيسكو لا يفسر بخلو المكان وفقدان المنافس، كما أن شهرته في النقش لم تكن زريعة للنجاح أو الزلفى إلى الأمراء والكبراء، لأن الكفاية الفنية ليست كضربة لاعب أو رمية رام؛ بل هي ومضة علوية تشع آلاف الأشعة الوهاجة، فتنير من نفسها طريق الفهم وتدلنا على مواقع الإسفاف أو السمو بدون إبهام ولا خداع؛ فنرى بأعيننا آثار هؤلاء الفنانين العظام الذين هم بحق نعمة من نعم السماء
لا شك أن فرانشيسكو كان من ألمع رجال الفن في عصر النهضة. له كما لهم المنزلة المرموقة في نفوس رجال النقد والتأليف في العالم أجمع، لا لشيء إلا لأن هذه الصفوة العجيبة من الفنانين العظام استطاعت أن تشيد على أنقاض الجاهلية الجهلاء صرحاً مكين الدعائم رفيع الأركان في أفسح ساحات المدينة الفاضلة وفي عالم الفن الرفيع المخلد. وكانت يد فرانشيسكو من أطول الأيدي وأقدرها على رفع الأساطين وتشييد الجدران،