للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محنة الأدب في مصر]

للأستاذ منصور جاب الله

إن محنة الأدب في مصر إنما تتجلى في هذه الضائقة التي يكابدها الأدباء، والأدباء المصريون بوجه خاص، فلقد أتى على مصر حين من الدهر كانت فيه ملتحدا لأدباء العروبة وملاذا للناطقين بالضاد في سائر الأقطار

ولقد أينعت شجرة الأدب في مصر، وتشابكت أغصانها وتهدلت أفنانها ورفت ظلالها حتى كادت تسع الناس جميعا، ثم إذا بهذه الشجرة الفينانه تذوى أغصانها وتتزايل ظلالها فإذا نحن من الأدب في صحراء جرداء

ومنذ بضعة عشر عاما سألنا شيخا من شيوخ الأدب هو المرحوم السيد مصطفى صادق الرافعي عن سبب تمسكه (بوظيفته) الصغيرة في محكمة طنطا، قلنا له: هلا احترفت الأدب وحده؟ أذن لجنيت من ورائه الذهب النضار وضحك الأديب العظيم وهو يقول: هيهات ذهب ما هنالك. . لو اقتصر عملي على الأدب وحده أذن لمت جوعا، ولما كان لي هذا الاسم المدوي الذي يطالعك في الصحف صباحا ومساء!

ولقد حسبنا الأستاذ الرافعي يومها جانحا إلى المغالاة، أو مائل إلى ناحية المزاح حتى قام على ما يقول من صميم الواقع شهيد وبصرنا بأدباء من الفحول قصروا جهدهم على الأدب فكان الجوع لهم مشربا وأداما

وقلنا مرة لشيخنا الأستاذ عبد العزيز البشري - رحمه الله - وهو في أوج شهرته ومجده: أن أمهات الصحف تتراكض خلفك تستكتبك المقال بكذا وكيت، وعملك الحكومي يحول بينك وبين كثير من وجوه الرأي التي قد لا تأمن حين إبدائها جوانب الزلل، فإذا أنت تنحين عن المنصب الحكومي، أمنت ما كنت تخاف، وأقبلت عليك جميع الصحف مشتاقة تجرر أذيالها

وأطال الشيخ البشري الصمت ثم اقبل علي يقول في مرارة: يا بني إن الصحافة إنما تقبل علي لأنني في غنى عنها، فإذا ما احتجت إليها فسوف تزول عني ازورارا وتنفر مني نفارا. إن الصحافة - مثلها مثل الدنيا - تقبل على من لا يريدها، وتطوي كشحا عن مريدها!

<<  <  ج:
ص:  >  >>