ما كان أحقَّنا ونحن نجني ثمرات الجهاد، ونعقد أقواس النصر، ونحيي بطولة الزعماء ونحيي ذكرى الشهداء، أن نضع إكليلاً من الزهر الندى على قبر الشهيد الأول محمد فريد!
لقد أستشهد في مثل هذا الأسبوع الذي وقع فيه موافقة البرلمان على المعاهدة، واحتفال الشعب بذكرى الضحايا، فكيف غفل اللسان الذاكر وذهل الفؤاد العروف عن تحية المجاهد الصابر والمضطهد المهاجر والصريع المحتسب؟ وما أقلَّ التحية للذين نفروا لخلاص الوطن لا يبتغون ثراء ولا دعة، وهاجروا في سبيل الحرية لا يجدون مراغماً ولا سعة، ولفظوا أنفسهم في منازح الغربة ومضاجع البؤس حسرة فحسرة!
هذه دورهم، كان للعزة في أفيائها مَرَاد، وللنعمة في أفنائها ربيع، فتقوض فيها المجلس وانصرف عنها اللاجئ وتعاقب عليها مالك بعد مالك! وهذه قبورهم، تناوحت عليها سوافي الرياح فطمست الشاهد وأبهمت الأثر وتناهبها هالك بعد هالك! وهذه ذكرياتهم، ملأت المسامع وعمرت القلوب حيناً من الدهر، ثم أوشكت اليوم لكنود الناس أن تغوص في لجج النسيان والعدم! وهذه أرواحهم، كانت في المحن السود تباكرنا بالعزاء وتراوحنا بالأمل وتغادينا بالمعونة، ثم أقبلت ساعة النصر تخفق فخورة مع العلم، وتصفق مؤيدة مع البرلمان، وتهتف مبتهجة مع الأمة، ولكنها لم تسمع وا أسفاه من بادلها تحية برحمة، وجازاها وفاء بدعاء!
إن الشريعة تنسخ الشريعة، والفكرة تطرد الفكرة، والجديد يخلف القديم، ولكن الجهاد في سبيل الوطن غاية لكل جيل في طريقها خطوة، وبناية لكل عامل في إقامتها حجر؛ والخطوط اللاحقة لا ترد الخطوة السابقة، والحجر الأعلى لا ينقض الحجر الأسفل. والمثل العليا من الرجال قليلة في عهدنا الحديث؛ فما أولانا أن نضن بهم على الفناء، فننصب تماثيلهم في كل ميدان، وندرس تاريخهم في كل معهد، ونرفع ذكرهم في كل مناسبة.
وا حسرتاه على حظ فريد من أمته! حبس عليها ثروته ورضى بالجوع، ورصد لها قوَّته وصبر على المرض، وضحى لها أسرته وعاش على التشريد، ثم كان نصيبه منها بِرّاً لا