من فوق هذا المنبر العالي والمنار القائم للغة الضاد (وهو صحيفة الرسالة الغراء) نرفع صوتنا مرة أخرى في سبيل العربية، وقد كنا تعرضنا تحت هذا العنوان لنقد كتب يصدرها بعض رجال وزارة المعارف المصرية، وتقرها الوزارة لطلابها.
عدنا اليوم لمثل عملنا في العام الماضي، ولكن في طريق شائكة وخطة ملتوية. تلك هي نقدنا للغويين الكبيرين والعالمين الفاضلين: صاحبي العزة أحمد العوامري بك، وعلي الجارم بك المفتشين الأولين للغة العربية بوزارة المعارف، وعضوي المجمع الملكي اللغوي بالديار المصرية
وقد جئنا ننقدهما في عملهما الذي تآزراً عليه وأفرغا جهدهما فيه، فكان لا بد أن يجئ مظهراً لفضلهما وصورة صادقة لهذه الممارسة الطويلة للعربية وآدابها، هذه الممارسة التي كانت منهما في هذا العمر المديد والزمن المتطاول، وكنا ننوي أن نتخذ من أقوالهما وآرائهما حججاً في العربية نضيفها إلى أقوال فحول اللغة السابقين. . . ذلك ما فتحنا صدورنا له واستعددنا لتلقيه حين بدأنا نقرأ تعليقهما على كتاب البخلاء للجاحظ الذي وكلت وزارة المعارف المصرية إليهما أمر إخراجه في صورة واضحة تقرب إلى أهل جيلنا أدب القرن الثالث للهجرة، وتحبب إلى قرائنا الزاهدين في هذا الأدب أن يقبلوا عليه ويستجلوا جماله الفاتن.
توقعنا ذلك من هذين العالمين الفاضلين اللذين جمعا إلى الثقافة العربية ثقافة غربية، ولم يدر بخلدنا إلا أن يكون عملهما في خدمة هذا الكتاب مزجاً حسناً لهاتين الثقافتين وتجلية لهما في ثوب عصري شائق
ولكننا لم نلبث حين نظرنا في الكتاب أن رأينا جهداً نحوياً عنيفاً أغرم فيه المخرجان