للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإسلام في موكب الإصلاح]

دولة الألقاب

للأستاذ محمد عبد الله السمان

كانت الألقاب الملغاة دولة داخل مصر، لها سلطانها وصولجانها، ولها جلالها ونفوذها، ولها كلمتها المسموعة، وارتدادها التي لا ترد، ولكنها كنت دولة هزيلة لم يقم العقلاء لها وزن، ولم يلق الحكماء لها بالاً.

وكان الملك العربيد - الذي الغي لقبه من الوجود قبل أن تلغى دولة الألقاب - يجعل منها دمية يلهو بها، ويشغل بها الطبقة المترفة من هواة الألقاب الجوفاء، وغواة المظاهر الكاذبة، وأشيع الفوضى والعربدة، ليتخذ الجميع منها ستاراً يحجب مخازيهم، وحصانة تدفع عنهم سيف العدالة وسلطان القانون، ومطية للاستغلال الممقوت على حساب الشعب المكدود. وكان لهذه الدولة الهزلية سماسرة يعرضونها في الأسواق، ويساومون عليها طلاب الغرور وعشاقه من أثرياء الحرب المفتونين، وأرباب العصبيات الفاجرة، وغيرهم ممن يجيدون استغلال الألقاب، وتكييف سلطانها ونفوذها.

لقد لبثت دولة الألقاب في مصر عمراً طويلاً، دعمت خلاله صرح الفروق بي الشعب واحد، تقله ارض واحدة، وتظله سماء واحدة. وثبتت دعائم الطبقات في وطن واحد، لا ينتسب إليه زائف، ولا ينتمي إليه دخيل؛ وبذرة بذور الفوضى بين أرجاء الكنانة حتى أثمرت الأحقاد في الأفئدة، والعداوة في النفوس، والبغضاء في الصدور، وبثت جراثيم الهمجية حتى أنتجت الجرائم في شتى صورها، والشرور في مختلف ألوانها.

ولقد جاء إلغاء دولة الألقاب في مصر خطوة صلاحية لها قدرها. واعتقد أنها ليست بأقل قدراً من خطوة تحديد الملكية فإذا كان تحديد الملكية خطوة مادية في سبيل توازن الطبقات، فان إلغاء الألقاب خطوة أدبية في سبيل المساواة الأدبية، التي لا غنى عنه لشعب يبغي حياة أدبية كريمة، واعتقد أن تفاوت الطبقات المادي لم يكن إلا ثمرة من ثمرات دولة الألقاب، ففي ظلها أستغل أشياعها مورد البلد وخيراته، وسخروا الدولة بأسرها لحسابها، حتى تكدس الثراء لديهم تكدساً أتخمت منه خزانتهم فعمدوا إلى الأرض يبتاعونه بأفحش الأثمان وأبهظ الأسعار، حتى أوشكت جميعها أن تكون ملكاً لعصاباتهم، فيتحكمون في

<<  <  ج:
ص:  >  >>