ولسنا في حجة إلى أن نقول: إن هذه الخطوة لمباركة، خطوة إصلاحية محضة يرحب بها الإسلام لأنها اصل من أصوله، وهل يوجد من ينكر على الإسلام أنه لم يقم بناءه إلا على دعامة المساواة المطلقة؛ وأنت حين تتدبر أول آية نزلت من كتاب الله تجدها لم تهمل قاعدة المساواة، ففيها وضح أن الناس جميعا متساوون، إذ انهم خلقوا جميعاً من مادة واحدة:(أقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. .) ونزلت بعد هذه الآية آيات لا حصر لها، مؤكدة هذه القاعدة، وذلك حين تشير إلى أن الناس جميعا مخلوقون من نفس واحدة، أو من ذكر وأنثى وما إلى ذلك:(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة. .)(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى).
والإسلام الذي أقام بناءه على قاعدة المساواة لا يمكن أن يقر هذا الألقاب، أو يتعرف به كمقياس لتقدير ذويها، ودليل على استحقاقهم للتقدير، لأن للإسلام مقياساً وحداً لإخلاص المخلص، وإنتاج المنتج، ومثابرة المثابر، واجتهد المجتهد، وهو:(إن أكرمكم عد الله اتقاكم. .).
ولا يمكن أن يقر الإسلام هذه الألقاب، وهي التي تميز بعضها من الناس على البعض لآخر، وتملأ أنوف أصحابها تكبراً وغروراً وصلفاً، بل إن الإسلام، وقاعدته السماوات المطلقة بي الناس جميعا، لم يشاء أن يلقب بين إنساناً - كائناً من كان - بأي للقب يميزه على غيره، وقد يقول قائل: لقد كانت هناك ألقاباً مثل: أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين، والأمير، ونحن نقول له: إن هذه ليست ألقابا بالمعنى الذي نراه، إذ أنها ألقاب عائدة على المناصب أصحابها لا على أشخاصهم، كما نسمي رئيس الوزارة، والوزير، والمدير، والمأمون ومن إليهم، وهذه ليست بالألقاب التي نرمي إليها.
إن الله تعالى اختار رسله من خير البشر، ليقوموا بمهمات شاقة مضنية وهي الرسالات، ومع هذا فلم يمنحوا لقباً واحداً يميزهم على سائر البشر، اللهم إلا الأسماء التي تشير إلى مناصبهم كرسل أو أنبياء، ولقد أفاض القران الكريم بذكر أسماء الرسل مجردة من الألقاب، لتأكيد قاعدة الإسلام التي قام عليها وهي المساواة: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. . - محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفر رحماء بينهم. . - ما كان