لم يكن أثر الثورة الوطنية الاشتراكية الألمانية في سياسة ألمانيا
الخارجية أقل منه في شئونها الداخلية. ولكن الثورة الوطنية كانت في
ميدان السياسة الخارجية أكثر توفيقاً، لأنها الفت الميدان عند قيامها
ممهداً صالحا ًللعمل القوي الجريء، ولأن الشعب الألماني يرى المسألة
الخارجية مسألة قومية محضة ويؤيد الثورة الوطنية فيها تأييداً قوياً
صادقاً، على إن هذا التوفيق الذي لقيته الوطنية الاشتراكية في بعض
نواحي السياسة الخارجية كان مقروناً من جهة أخرى بتطورات ونتائج
لم تكن صالحة ألمانيا، ولكنها كانت نتيجة لما أبدته الوطنية الاشتراكية
في وسائلها من ضروب العنف والاندفاع.
تولى الوطنيين الاشتراكيون الحكم وألمانيا ما زالت من الوجهة الدولية في المركز الذي وضعت فيه بمقتضى معاهدة الصلح (معاهدة فرساي) وهو مركز لا يجعلها على قدم المساواة مع باقي الدول العظمى من حيث الحرية في تدبير وسائل الدفاع عن نفسها وتنظيم مواردها الاقتصادية طبقاً لمصالحها، وهو مركز يرى الوطنيون الاشتراكيون بحق أنه لا يليق بألمانيا كدولة عظمى ولا يلائم كرامتها القومية. وكانت ألمانيا تجاهد منذ دخلت عصبة الأمم (في سنة ١٩٢٦) في سبيل الانتصاف لنفسها في مسألة الدفاع القومي لأنها جردت بمقتضى معاهدة الصلح من سلاحها، وفي سبيل التحرر من أعباء التعويضات الفادحة التي فرضت عليها لأن هذه الأعباء لبثت بعد الذي أدته منها خطراً داهماً على مواردها القومية ونشاطها الصناعي والتجاري، ولأنها فرضت على أساس مسؤولية ألمانيا في إثارة الحرب الكبرى، وقد ثبت فيما بعد بما صدر من تحقيقات ووثائق دولية مختلفة إن هذا الزعم باطل، وإن مسؤولية ألمانيا في الحرب ليست أكثر من غيرها، وقد سويت مسألة