للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كوليرج]

للكاتب الناقد أي. تي. كيلركوج

بقلم الأستاذ يوسف عبد المسيح ثروت

من العسير علينا أن نكتب حياة كوليرج، أو بمعنى آخر أن هذا العسر سيزداد ويشتد باطراد كلما حاولنا التغلغل في ماهية هذه الحياة، وذلك بسبب نكسات الإرادة التي أصيب بها وعللها المختلفة ومعايبها المتعددة، وهذه الحقائق التي يتطلب منا البحث النزيه ذكرها وتسجيلها هي التي ستضفي ظلالا داكنة على ذلك الوجود الحي الجميل الذي شهد بعظمته جميع معاصريه؛ ومع ذلك يقتضينا الحق والإنصاف أن نركن إليها حتى نكون قد أدينا واجبنا حق الأداء. زد على ذلك أن هذه السيرة صعبة الإدراك، لأن كثيراً ممن سيطالع دقائقها سينكر سماحه كوليرج ولطفه، وسيقتصر على مآسي حياته الظاهرية ناسيا بذلك أحسن ما فيه، أعني كوليرج الحقيقي، كوليرج المحب الإنساني السمح، الذي سعى جاهدا لمعالجة أدوائه بشغف وحب، والذي كان في شد الشوق لكي يفتح عيون الناس على الجمال الأسنى في براءة وإيمان عميقين، وفي خفر ونزاهة بارزتين. مع أنه تلقى حكم الدينونة القاسية ببرودة (كشخص تافه في وسط البهاء والإشعاع اللذين كانا ينبثقان من ذهنه الوقاد في جلال وسمو).

فقصته لا تثير المزاج ولا تغيظ الطبع وحسب، بل إنها تراوغ الفهم نفسه، فتجعل حتى القارئ الهادئ الرصين في حيرة من أمره، كما حدث لأوديسوس بعد محاولته الثالثة لمعانقته والدته في (الظلال). لأن العناية الربانية كما يقول دي كونزي (وضعت أمامه احتياطا دائمياً من المشاق في طريق حياته) ولو تتبعنا أثر الرجل والتقينا بزرافات من أصدقائه وسألنا أي رجل منهم لكان جوابه: (كوليرج؟ ذلك الصديق المدهش؟ لقد كان هنا قبل مدة وقد ساعدناه في سفره قليلاً. لقد أخذ المرحوم جيمس كامبل على نفسه أن يكتب حياة كوليرج بحماسة وصدق، وقد أدى هذا الواجب خير أداء وبنجاح تام (وعلى القارئ أن يرجع إلى كتابه (حياة كوليرج) ليرى البرهان بعينه) ولم يكتف كامبل بذلك بل أنه أكرم ذكرى الشاعر (في هذا الجانب الوثني من الكون). ومع ذلك، فلو أنا اقتضينا أثر قصته الملخصة خطو خطوة لرأينا ازدياد الشكوك الحائمة في ذهن الكاتب مما اضطره أن يعلن

<<  <  ج:
ص:  >  >>