ونلاحظ أنه بينما كان نفوذ الصقالبة يقوى ويشتد في بلاط قرطبة وفي الدولة الأموية في الأندلس، إذا بنفوذ الصقالبة يغزو بلاطاً إسلامياً آخر ودولة إسلامية أخرى هي الدولة الفاطمية؛ ومما يدعو إلى التأمل أن يزدهر النفوذ الصقلي في البلاط الفاطمي في نفس العصر، أعني في أواسط القرن الرابع الهجري، وفي ظروف مماثلة؛ وقد قامت الدولة الفاطمية في المغرب بمؤازرة القبائل المغربية القوية، واستأثر زعماؤها مدى حين بمناصب الثقة والنفوذ؛ ولكن تطوراً وقع في السياسة الفاطمية؛ ومنذ عهد المعز لدين الله يغزو نفوذ الصقالبة البلاط الفاطمي ويغالب نفوذ المغاربة؛ وقد كان جوهر الصقلي أعظم أعوان المعز وكبير قادته من أصل صقلبي، وكان له في الدولة وفي الجيش أعظم نفوذ؛ وفي عهد العزيز سما نفوذ الصقالبة وساد في القصر وفي الوزارة؛ وبلغ ذروة قوته في أوائل عهد الحاكم بأمر الله الذي تولى الملك صبياً وتولى الوصاية عليه صقلبي هو برجوان؛ وفي عهد وصايته القصير سيطر الصقالبة على القصر والدولة، واستأثر بمناصب النفوذ والحكم نفر من الفتيان الصقالبة مثل يانس وميسور ويمن وغيرهم؛ ولكن الحاكم لم يلبث أن تخلص من هذا النفوذ الخطر بمقتل برجوان ونكبة الفتيان الصقالبة، وبذلك انهار نفوذ الصقالبة في البلاط الفاطمي.
وكان ذلك في أواسط القرن الرابع وفي أواخره حيث كان يزدهر نفوذ الصقالبة في بلاط قرطبة في عهد الناصر حسبما بينا، ثم في عهد ولده الحكم المستنصر من بعده. ولما توفي الناصر كان نفوذ الصقالبة أشد ما يكون بسطة في القصر وفي الحكومة؛ وكان فتيان القصر الصقالبة وهم المعروفون بالخلفاء الأكابر أول من أخذ البيعة للحكم المستنصر؛ وكان حاجب الحكم، جعفر بن عبد الرحمن الصقلي أقوى وأعظم رجل في الدولة؛ وكان الحرس الخلافي المكون من الفتيان الصقالبة سياج البيعة الخلافية وأبرز مظاهرها؛ وكان من وزراء الحكم أيضاً زياد ومحمد ابنا أفلح الصقلبي صاحب الخيل في عهد الناصر؛ وفي عهد الحكم غدا الحرس الخلافي كل شيء في القصر، وغدا عصمة الخلافة والخليفة يسهر