إذا كتب الأستاذ الكبير - العقاد - أطرف وأبدع، فلا يسع القارئ الذي يصح أن نطلق عليه هذا الاسم إلا أن يقرأ ما كتب الأستاذ. وإذا قرأ له القارئ فلا يسعه إلا أن يقرأ مترفقاً مستأنياً، فليس الأستاذ العقاد بالذي تستطيع أن تقرأ له على الطريقة الأمريكية، طريقة الخطف واللمح والقراءة بالأسطر والفقرات بدل القراءة بالجمل والكلمات. وليس ذلك لإبهام في الرأي الذي يبسط الأستاذ أو التياث في الرأي الذي يشرح، وإنما هو راجع إلى خصلة التركيز الشديد والعمق الصادق التي تتسم بها كل آثار العقاد. وإذا قرأ القارئ الحصيف ما يكتب الأستاذ العقاد هذا النوع من القراءة المتئدة المترفقة فالأرجح أن يخرج مما قرأ له على وفاق معه لا يشوبه تردد الإبهام ولا شك المداورة. ذلك بأن الأستاذ، في صميم ما يكتب، لا يحاول أن يكتب ليفحم، إنما يكتب ليفهم، ويناقش ليقنع لا ليدهش. أقول هذا لمناسبة ما كتب الأستاذ في موضوعي (الحد الحاسم) و (النماذج والأفراد في الأدب) اللذين نشرا في عددي ٢٢٨ و ٢٢٩ من الرسالة. هذان المقالان يكادان يكونان نموذجاً لما تتصف به كتابات العقاد من العمق وسلامة المنطق وقوة التوجيه مع الشمول والإحاطة. ومن هنا بادرت أتهم نفسي بالتواء القصد عليها حينما رأيتني أخالف الأستاذ فيما ارتأى ختام موضوعه الثاني فأرى هذا الرأي الذي أبسطه في بقية هذه الكلمة، ولكنني برغم ما اتهمت نفسي واعدت قراءة الموضوع لم أوفق إلى شيء يردني إلى رأي الأستاذ أو يوافق بين رأيه ذاك، ورأيي الذي أبسطه هنا ليتكرم فيصلحه لي، إن رآني مخطئاً، أو يصلح رأيه إن رآني مصيباً
لخص الأستاذ في مقاله الأخير رأياً للأستاذ أدولف وولف في علاقة الديمقراطية والدين بظهور الخصائص المستقلة في الصور الأدبية بعد القرن السابع عشر فقال: (فمنذ أصبح الإنسان فرداً معزولاً في حكم الدين لا اختلاط بين حسناته وسيئاته وبين حسنات الآخرين وسيئاتهم ولا التباس بين ثوابه وثوابهم وعقابه وعقابهم، هنالك أصبحت كل نفس بما كسبت رهينة، وأصبحت كل نفس حقيقة بالمحاسبة والإحصاء والمراقبة، ورسخت جذور