الديمقراطية فلم يبق إلا أن تظهر لها على وجه الأرض فروع وأوراق وثمار)
وكان من هذه الفروع - كما يرى الأستاذ - ظهور الخصائص الفردية والسمات المميزة والفوارق القوية في الصور الأدبية الحديثة. هذه الخصائص والسمات والفوارق يجعلها الأستاذ وولف - كما لخصه لنا الأستاذ العقاد - رهناً بظهور التحليل النفسي الذي كان بدوره رهناً بشيوع الروح الديمقراطية والنظر إلى الفرد نظرة خاصة فاحصة، فلا تفنى معالم شخصيته ومظاهر سلوكه في غمار الجمهور والنماذج التقليدية المرسومة. إنما يؤثر الأستاذ العقاد، في ختام موضوعه، أن يرجع التحليل النفسي والديمقراطية معاً إلى شيء آخر (هو انتهاء الكشوف الظاهرة وابتداء الكشوف الباطنة، أو انتهاء السياحات الجغرافية وابتداء السياحات النفسية الإنسانية)
هنا يسمح لنا الأستاذ العقاد أن نخالفه ويسمح لنا أن نسأل: أصحيح أن الكشوف الظاهرة أو الكشوف الجغرافية انتهت في القرن السابع عشر أو حواليه، ومن ثم بدأت الكشوف الباطنة للنفس كنتيجة لانصراف الذهن البشري عن الدراسات والسياحات الظاهرة إلى الدراسات والسياحات الباطنة؟! إنني أشك في صحة هذا الزعم، بل أكاد أنفيه قاطعاً
ليست السياحات الظاهرة وقفاً على الضرب في مجاهل الأرض واكتشاف كل رجأ من أرجائها، وليس الاستشراف للمجهول في خارج حدود النفس الإنسانية قاصراً على الحدود الجغرافية لقارات الكرة الأرضية؛ فهناك السماء بعوالمها الشاسعة، وأكوانها المبثوثة في رحاب الكون وأسرارها المحيرة؛ وثمة الذرة بصفاتها العجيبة وسلوكها الغريب وأسرارها الدقيقة؛ وهناك أمواج الأثير من ضوء وحرارة وكهرباء وأشعة كونية وخلافها؛ وهناك النبات والحيوان؛ وهناك ما يسيطر على كل أولئك من قوانين خالدة وقوى منظمة. أفبعد كل هذه العوالم العجيبة نستطيع أن نقول: لقد انقضى عهد الكشوف الظاهرة في القرن السابع عشر أو انتهى مجالها؟! كلا! والدليل القاطع هذه الكشوف الرائعة التي انتهى إليها الإنسان في سياحاته بين أجواز الفضاء ورحاب الكون أو في حقائق الذرة ومعاقلها المنيعة. ومن يستطيع أن يقول: إن الكشوف الظاهرة التي تمت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبداءة هذا القرن في عوالم الطبيعة والحياة تقل روعة وأسراً للخيال وشدها للإنسان عن أروع المغامرات الجغرافية التي تمت في القرن السابع عشر أو بعده؟ ثم هذه الكشوف