الجغرافية ذاتها هل انتهت حقاً في القرن السابع عشر؟ أين مغامرات سكوت وشاكلتون وبيرد وغيرهم؟ قد يقال هذه المغامرات منها ما جاء متأخراً ومنها ما لم يقع إلا في أوائل هذا القرن، ولكن هذا في اعتقادي ليس بالشيء المهم، فالتطورات الفكرية والنفسية العامة تحسب بالأجيال والقرون، ولا تحسب بالأيام والشهور والسنين.
وقد يسأل الأستاذ العقاد: إذن بماذا نفسر ظهور الدراسات الباطنة، وما تلاه من تأسيس علم النفس التحليلي الذي تهداه أدباء الأجيال الحديثة في كتابة القصة التحليلية؟ وأجيب أن هذه الدراسات الباطنة للنفس كانت مظهراً عادياً يتساوق مع المظهر العام لنشاط الفكر البشري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فلما كشفت الكشوف الفلكية والطبيعية والكيميائية والفزيولوجية، كشف كذلك الكشوف في مجاهل النفس وخوافي الحس. فمنذ اصطنعت الطريقة العلمية في البحث وأخذ العلماء يجرون على أسلوب المشاهدة والفحص والاختبار اتخذت دراسة النفس خطة منظمة مجدية، فظهر أولا علم النفس العام، وتلاه علم النفس التحليلي؛ ولكننا نعود ونقول: إن هذه الدراسة لم يكن الحافز فيها والباعث عليها انتهاء الكشوف الظاهرة، وإنما كان الحافز عليها اتساع هذه الكشوف وسيرها على خطة علمية منظمة مجدية شملت الجماد والحيوان والإنسان جميعاً. هذا وأحب أن أقرر هنا أن الدراسات النفسية لم تحد ولم تخرج عن حدود الحدس والتخمين وإيهام الفلسفة الذي قيدها من زمن أرسطو، إلا حينما تابع رجالها أسلوب العلم الطبيعي في المشاهدة والاختبار، بل لقد استفادت الدراسات النفسية فائدة مباشرة مما كشفه البحث من العلاقة الوثيقة بين تركيب الجسم الفزيولوجي ومظاهر النشاط الفكري والنفسي. ومن هنا كانت الدراسات النفسية باعتبار الزمن تابعة للدراسات الطبيعية مقلدة لها في أسلوبها مستفيدة من حقائقها. وقد بلغ من اعتماد علماء النفس اليوم على الطريقة العلمية في البحث بحيث غدوا لا يؤمنون بأسلوب الاستبطان والدراسة الذاتية وأضحى همهم أن يدرسوا النفس البشرية دراسة موضوعية مبنية على المشاهدة الظاهرة والاختيار المنظم
وجملة ما نريد أن نقرره هنا أن الكشوف والسياحات الخارجة لم تنته قط في القرن التاسع عشر، بل هي زادت واتسع نطاقها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبداءة هذا القرن إلى الحد الذي يكاد يكظ الأذهان ويتخم الفكر. وإذن ليس صحيحاً أنه جاء يوم انقطع