لا شك أن ما روى الدكتور عن حياة امرئ القيس منسجم مطرد، وهو حجة دامغة معقولة، لو أن ما كتبه (وهو عين ما يدرسه طلاب الصف الثالث الثانوي)، هو كل ما يروى في الكتب ويُستنتج بعد المحاكمة، ولو أنه صحيح ثابت، ولكنه ناقص سقيم حين سمع الناس أن امرئ القيس شخصية خيالية، وحين يعلم أن الرواة اختلفوا في اسمه وكنيته وذريته: فهو حندج وهو قيس، واسم أبيه عمرو واسم أبيه حجر، واسم أمه فاطمة واسم أمه تملك، وكنيته أبو لهب وكنيته أبو الحارث، وأنه لم يكن له ولد ذكر، وأنه يئد بناته جميعاً، وأن له بنتاً يقال لها هند، وأنها لم تكن بنته، وإنما كانت بنت أبيه، وأنه يعرف بالملك الضليل، وانه يعرف بذي القروح.
فكان عليك يا دكتور أن تستخلص من هذا الخليط المضطرب ما نستطيع أن تسميه (منسجم مطرد)، وما تستطيع أن تسميه حقاً أو شيئاً يشبه الحق ليجوز لك أن تسلم بوجود امرئ القيس وأن تقول:(إن ما يروى عنه (لم يكن أكذوبة) من أكاذيب القصاص).
أليس جديراً بكتاب يسمى (بعث الشعر الجاهلي) أن يستعرض ما ذكرت، وزيادة عليه مما يشم منه رائحة الأساطير والأكاذيب، ثم يعرض لها بالبحث والتحليل، والاستقراء ولاستنتاج، والتعقل والمحاكمة، لينسج منه المؤلف بحثاً يستطيع بعده أن يقول: قد بعثت امرئ القيس حقاً؟ ولكن الدكتور أغرق في تجنب الآراء المتضاربة والاختلافات المتناقضة، وما جرب أن يشطح وينطح، وابتعد عن كل أناة ونثبت فيما نقض وأبرم. فهو يجحد جحوداً مطلقاً، وينكر بغير حق شأنه في التصديق، ويروي ما يدعم مزاعمه، ويغفل