إذا أردت أن أنتهي من نقد طريقته السقيمة في البحث فأسمح لي أن أحدثك يا قارئي عن برهانه على حقيقة نسبة (قفا نبك). وما هو برهانه؟ لا يتجاوز ما يذكره في ص ١٠ (أن القصيدة رويت في القرن الثاني، وأن كبار الرواة وثقاتهم كالمفضل الضبي وأبي عمرو بن العلاء والأصمعي أحياء لم يطعنوا فيها). . . يظهر من هذا أن الدكتور مطمئن إلى ما يرويه هؤلاء كل الاطمئنان، ولم ير حاجة في الإطالة، فقد جاء بالبرهان الناصع والدليل القاطع
هل يستطيع الدكتور أن يقول إن كل ما رواه هؤلاء صحيح سالم من التجريح؟
لا شك أن هؤلاء ممن لم تفسد مروءتهم ولم يعرفوا بفسق ولا مجون ولا شعوبية، والعجب أنهم قد كذبوا أيضاً وانتحلوا. فأبو عمرو بن العلاء يعترف بأنه وضع على الأعشى بيتاً هو:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا
ويعترف الأصمعي بشيء من ذلك. ويقول اللاحقي إن سيبويه سأله عن إعمال العرب (فَعِلا) فوضع له هذا البيت:
حذرٌ أموراً لا تضير وآمن ... ما ليس ينجيه من الأقدار
وهل من صفة البحاثة العلمي أن يقف جامد العقل إزاء ما يروى عمن عاشوا في القرن الثاني مهما ابتعدوا عن السذاجة وفساد الذمة؟
وإذا سلمنا جدلاً أن القصيدة من ناحية السند صحيحة، أليس يحسن به أن يمتحن صحة متنها؟ إنه لم يتكلف عناء ذلك في جميع ما روى من المعلقات
يا دكتور أن أكاذيب كثيرة حملت على الجاهليين ونسبت أحاديث خرافة لا تحصى إليهم في عهد الإسلام، وأضيفت مقادير وافرة من الأباطيل إلى تاريخ كل شعب وكل جيل، وحاشاك أن تجهل الافتعالات التي يمليها تضارب المصالح والأهواء ويقتضيها تطاحن الأفراد والجماعات، مما يجب ألا نتواطأ عليها بالسكوت والتسليم، فلا تحسب أنك حين نزهت بعض الرواة عن الاختلاق والكذب يحق لك أن تقول بكلام المنتصر الغالب:(إذن لنفرغ لدرس هذه القصيدة (ص ١٩)، فإن الباحث المنصف من شأنه أن يحتاط ويحترس