قرأت في العهد الأخير تقريرين عن التعليم في مصر كتبهما عالمان استقدمتهما وزارة المعارف لينظر كل منهما في ناحية خاصة من نواحي التعليم ودرجاته، وأفضى كل منهما بآراء ناضجة فيما كلف به من بحث. فكتب مستر مان مفتش المدارس وكليات المعلمين بإدارة المعارف بإنجلترا تقريراً مدعماً بالإحصاءات فائضاً بالأفكار والنظريات، وكتب مسيو كلاباريد أستاذ علم النفس في كلية العلوم بجامعة جنيف تقريراً آخر عمد فيه إلى نظريات حديثة في علم النفس والتربية لا نعلم مقدار ما فيها من خطأ أو صواب، لأن الحكم على مثل هذه الأشياء يجب أن يرجع فيه إلى أهل الاختصاص، وإن كانت النظرة العاجلة التي ألقيتها على هذا التقرير قد أقنعتني، وقد أكون مخطئاً، بأن نظريات كلاباريد ربما تكون قد أسلمت به نتائج لا يؤيدها الواقع ولا تسندها الحقائق التي يعرفها كثير من المصريين معرفة أولية لا تحتاج إلى نظر علمي ولا إلى استنتاج من مقدمات
هذا إلى أن العالمين الأوربيين إن كانا قد بحثا في التعليم المصري كل من ناحية اختصاصه، فإن بحثهما إنما جاء قاصراً على الدائرة التي عينتها له وزارة المعارف وفي ضوء المعلومات التي زود بها، وفي الحدود التي رسمت للتعليم في مصر منذ خمسين سنة مضت. فإن كانا قد أحسا بشيء من النقص، أو وقع لهما شيء يستحق النقد، فإنما وقع لهما في ما هو داخل في هذه الحدود أو مشمول بها. فلم ينظرا مثلا فيما يجب أن يؤدي التعليم في مصر من حاجات الحياة العامة فيها، وفي علاقة التعليم بالحالات الجديدة التي تكتنف الحياة المصرية في تطورها الحديث. على أن هذا لا ينزل من مكانة ما كتب العالمان الفاضلان أو يقلل من قيمة آرائهما. فإن المصريين أنفسهم أحق بأن يتلمسوا مكان النقص الذي يحسونه في التعليم من ناحية علاقته بالحياة عامة، وبالحالة الاجتماعية خاصة
ومهما يكن من أمر الباحث الأوربي في الشؤون المصرية، ومهما يكن من علمه وتمكنه فيه، فأنه من المتعذر عليه كما قال مستر مان في تقريره أن يلم به إلمام المحيط بالحقائق الأساسية التي يحس بها المصريون أنفسهم من غير استعانة بآراء أو نظريات. ذلك بأن لكل أمة إحساساً بما يعتورها من نقص لن يفقه الغريب عنها شيئاً من خصائصه إلا بالجهد