الاحتفال ببعض المواسم التي كان القصف يخرج فيها عن حدود الاعتدال مثل عيد الشهيد، وحرم شرب الخمور والركوب في الخليج، وخروج النساء، واشتد الحاكم في ذلك حتى كانت القاهرة تغدو أحياناً في أثواب قاتمة من السكون والإقفار والروع. بيد أنه فيما خلا هذه الفترات القليلة، كانت الخلافة الفاطمية دائما عند تقاليدها الباهرة تنثر حولها حلل البذخ والبهاء والترف في كل المواسم والمناسبات
هذه لمحة سريعة فيما كانت ترتبه الخلافة الفاطمية من الحفلات والرسوم الباذخة لاستقبال العيدين الإسلاميين الرئيسيين؛ ولم تكن الخلافة الفاطمية أقل بذخا وبهاء في الاحتفاء بباقي المواسم والأعياد الأخرى كيوم عاشوراء، ويوم الغدير، ويوم النيروز، وعيد الشهيد وغيرها، فقد كانت تسبغ عليها جميعاً أقصى مظاهر الروعة والفخامة، وكانت هذه المواسم والأعياد لدى الشعب المصري أياماً مشهودة تفيض بهجة وحبوراً؛ وكانت الخلافة الفاطمية ترمي بترتيب هذه الرسوم الباذخة إلى غايتين: الأولى أن تبث هيبتها الدينية بما تسبغه من الخطورة والخشوع على بعض المظاهر والرسوم، والثانية أن تغمر الشعب المصري بسيل من الحفلات والمآدب والمواكب الباهرة، وأن تأسره بمظاهر جودها الوافر، وأن تنثر عليه ما استطاعت من آيات البهجة والمرح، كل ذلك لكي تكسب ولاءه وعرفانه وتأييده؛ وقد كانت الخلافة الفاطمية تشعر دائما أنها لم تكسب كل ولائه وتقديره، وان سياستها المذهبية تبث إلى نفسه شيئا من الوحشة والريب؛ بيد أنه يجب أن نقول من جهة أخرى إن الدولة الفاطمية كانت بحق دولة البهاء والبذخ الواسع، وكانت هذه الرسوم والمظاهر الرائعة من بعض مظاهر قوتها وعظمتها وغناها؛ وكانت هذه الروح الفخمة الباذخة تطبع كل رسومها ومظاهرها، في القصر وفي الخارج، وفي السياسة والدين والإدارة، وفي الحياة العامة والحياة الخاصة؛ وقد سرت آثار كثيرة من هذه المظاهر والرسوم الفخمة الشائقة إلى كثير من القصور والدول الإسلامية التي تعاقبت على مصر بعد الدولة الفاطمية؛ وقد نلمس إلى اليوم في بعض الرسوم والنظم الدينية، وفي بعض مظاهر أعيادنا ومواسمنا لمحات من آثار البذخ الفاطمي