جميعاً، وكلما نحر الخليفة رأساً جهر المؤذنون بالتكبير؛ وتقدد الضحية الأولى، وتفرق قطعاً صغيرة في الأولياء والمعتقدين؛ وفي اليوم التالي ينظم نفس الموكب إلى المنحر، وينحر الخليفة سبعة وعشرين رأساً؛ وفي اليوم الثالث ينحر ثلاثة وعشرين؛ ويجري توزيع لحم الأضحية خلال هذه الأيام الثلاثة على أرباب الرسوم في أطباق خاصة للتبرك، ويقوم بالتوزيع قاضي القضاة وداعي الدعاة، ويخص نقباء الدعوة وطلبة دار الحكمة (دار العلم) بقسط من اللحوم الموزعة؛ فإذا انقضت مراسيم النحر خلع الخليفة عند العودة إلى القصر على الوزير ثيابه الحمر ومنديلا ملوكياً بغير سمة، والعقد المنظوم، فيركب الوزير وعليه الخلع المذكورة في موكب حافل من القصر شاقا القاهرة حتى باب زويلة، ثم يدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك تنتهي حفلات النحر
وكان الخليفة العزيز بالله أول من سن سنة إعطاء الضحايا وتفريق لحومها في أولياء الدولة على قدر مراتبهم، وكان ما يخرج منها غير ما يذبحه الخليفة بنفسه يبلغ بضعة آلاف من مختلف الأصناف هذا عدا ما يفرق في أرباب الدولة من الخلع والأموال؛ وقد انتهت إلينا من روايات المؤرخين المعاصرين تفاصيل دقيقة عن مقادير النفقة في تلك المواسم، ومنها أن نفقة سماطي الفطر والأضحى كانت تبلغ زهاء أربعة آلاف دينار؛ ويذبح من البقر والجاموس والنوق في أيام النحر نحو ألفين وخمسمائة، ومن الغنم ألفين وأربعمائة؛ وقد أشرنا إلى ما كان يوزع في عيد الفطر في أرباب الدولة من صنوف الفطائر والحلوى، وكيف كان يسمح للكافة باقتحام إيوان القصر لنهب السماط الخلافي أمام عيني الخليفة ذاته؛ وعلى الجملة فقد كانت الخلافة الفاطمية تبدي في المواسم العامة من ضروب البذخ والبهاء والبهجة، ما يسبغ على هذه المواسم أثوابا ساطعة من الرونق والجمال والسحر
وقد كان هذا البذخ الذي تنثره الخلافة الفاطمية حولها ينفث في الشعب ذاته حب الظهور والمرح، فكانت القاهرة تلبس في تلك المواسم حلة أنيقة باهرة وتحفل شوارعها ومحالها ودورها بأنواع الزينة القشيبة؛ وكانت في الليل تبدو كأنها شعلة ساطعة من الأنوار؛ وكان القصف والمرح يخرجان أحيانا في تلك المواسم عن حد الاعتدال حتى أن ولاة الأمر لجئوا غير مرة إلى إلغاء بعض الرسوم وتقييد بعض الحريات؛ وفي عهد الحاكم بأمر الله ألغي