للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١٣ - هكذا قال زرادشت]

للفيلسوف الألماني فردريك نيتشة

ترجمة الأستاذ فليكس فارس

لسعة الأفعى

واستسلم زارا للكرى يوما تحت شجرة التين، وكان الحر شديداً فستر وجهه بساعده فأتت أفعى ولسعته في عنقه فصرخ متألماً وانتفض محدقاً بالأفعى فعرفت عينيه تململت لتنصرف، فقال لها زارا: - (لا تذهبي قبل أن أقدم لك شكري، لأنك نبهتني في الزمن المناسب لأقوم بسفر بعيد)

فأجابت الأفعى وفي صوتها غنة الأسى: - بل سفرك قريب فزعافي قاتل

وابتسم زارا وقال: وهل لزعاف الأفعى أن يقتل تنيناً؟ خذي سمك، إنني أعيده إليك فلست من الغنى على ما يسمح لك بتقديمه هدية لي.

وسارعت الأفعى إلى الالتفاف حول عنق زارا تلحس جرحه.

وقص زارا هذه الحادثة يوماً على أتباعه فقالوا له: وما هو المغزى الأدبي لهذه القصة، فأجاب: - إن أهل الصلاح والعدل يدعونني هداما للمبادئ الأدبية فقصتي لا تتفق وهذه المبادئ.

إذا كان لكم عدو فلا تقابلوا شره بالخير لأنه يستصغر بذلك نفسه، بل أكدوا له أنه أحسن بعمله إليكم، والأجدر بكم ألا تحتقروا أحدا، تظاهروا بالغضب. وإذا وجهت اللعنة إليكم، فلا يسرني أن تمنحوا البركة، إن ما يسرني هو ألا تأبوا اللعن أنتم أيضا، وإذا ما أنزلت بكم مظلمة كبيرة فبادلوا المعتدي مثلها وأرفقوها بخمس مظالم صغرى، لأنه ما من مشهد أشد قبحا من مشهد من لا يخضع إلا للظلم.

إن اقتسام المظالم بالتساوي إنما هو مساواة بالحق، فهل كنتم تعرفون هذا من قبل؟ من يقدر على إرهاق الناس بظلمه فعليه أن يحتمل هو الظلم أيضا.

لئن ينتقم الإنسان قليلا، فذلك أدنى إلى المعروف وليس من الإنسانية أن يترفع المظلوم عن الانتقام. إنني لأنفر من اقتصاصكم إذا لم يكن عبارة عن حق تؤدونه للمعتدي، وإن من

<<  <  ج:
ص:  >  >>