(من وصية إبراهيم الإمام العباسي لأبي مسلم الخراساني)
للأستاذ محمد خليفه التونسي
عرضنا في المقال الماضي (الرسالة: العدد ٦٣٧) عرضا موجزاً يسيراً ما كان من موقف الأمويين إزاء مخالفيهم في الرأي والسياسة، وعارضناه بموقف مؤسسي الدولة العباسية إزاء مخالفيهم في الرأي والسياسة، وبينا وجوه الخلاف بين الموقفين، كما أوضحنا موقف هؤلاء وأولئك من العرب والفرس وما كان من اطمئنان الأمويين إلى العرب وحذر الآخرين من العرب والفرس معا وضرب كلا العنصريين بالآخر لسوء ظنهم بهما معا، وأوضحنا أن النعرة الفارسية ظهرت منذ فتح العرب فارس في عهد عمر الذي لم يكن قتله إلا مؤامرة فارسية لكيد العرب، وما كان من خوف تسلط الفرس على مؤسسي الدولة العباسية فدفعهم إلى الإفراط في الاتهام والقتل لمجرد الشبهة، وما كان من طموح الفرس إلى الاستقلال وتطلع أبي مسلم إلى السلطان حتى قتله المنصور، وسوء ظن العباسيين حتى بوزرائهم وقتل كثير منهم مما أدى بخالد بن برمك إلى كراهة أن يسمى وزيرا تطيرا من القتل كما قتل قبله أبو سلمة الخلال، وما كان من إسراف العباسيين في الحجر على الحرية الفكرية خوفاً على دولتهم من الانهيار، وأن المنصور كان يحجر على حرية الرأي في كل ما يمس الحكومة ونظمها ليس غير حتى ليحاسب الناس على ما في ضمائرهم ويعاجل بالقتل كل خارج عليه، بل كان من كان وجوده خطرا عليهم ولو لم يكن يستحق القتل وما كان من عدم مراعاته في ذلك حدود الدين ولا قواعد العرف العربي ولا العهود التي قطعها على نفسه. وقلنا في ختام المقال: (فلما جاء أبنه المهدي سنة ١٥٨ هـ كانت الخلافة قد استتبت له فلم يكن يخشى ما خشي والده من الفتن على الدولة ولكن عهده لم يكن خالياً من فتن ذات طابع خاص يميزها من الفتن التي قامت في عهد أبيه، وقد جعلته هذه الفتن يتجه إلى الحجر على الحرية الفكرية في عهده ولا سيما الزندقة؛ إذ كانت الزندقة