. . . سار بي (الأستاذ) سيراً حثيثاً، ليطلعني على ما اشتملت عليه تلك الجامعة الهائلة من دور ومن فصول، ومن مدارس ومعاهد، فلم نزل نتنقل من بناء شامخ إلى قصر مشيد، إلى أفنية فسيحة، إلى مغان ذات طباق بعضها فوق بعض. . .
ثم وقف بي أمام دار فخمة ضخمة ذات صروح وأبراج، ولها باب عظيم ذو عمد من الرخام وسلالم من المرمر الأملس.
وقد انفتح المصراعان، وبدأ لنا من ورائهما دهليز كبير تحف به عمد رفيعة موشاة بالذهب والأحجار الكريمة؛ ومن فوقها سقف مزين بأبدع النقوش وأبهى الألوان
فقال صاحبي:(الآن أريك اجمل شيء في هذه الجامعة الجيلة، ان هذا البناء العظيم الذي تراه أمامك هو (معهد الطفيليات). قد عنيت الجامعة بتشييده وإعداده، ولم تال جهداً ولا مالاً في زخرفته وتأثيثه، ليكون منه مرتع خصيب للطفيليات: تمرح فيه ما شاء لها المرح، وتنعم فيه بكل ما تشتهيه نفوسها التي لا يرضيها القليل، ولا تنفع إلا بالغالي النفيس
(وسأمضي بك الآن إلى المتحف العظيم، الذي حشدنا فيه ما استطعنا حشده من طفيليات هذه الأرض؛ وما احسب أن لجامعة من الجامعات متحفاً كهذا المتحف، شاملاً لما اشتمل عليه من طفيليات عزيزة نادرة به، حقيقة أننا لم نستطيع أن نجمع هنا كل ما في الأرض من هذه الكائنات! إن هذا مرام بعيد. ومن ذا الذي يستطيع للطفيليات عدا. فضلاً عن جمعها. وإيوائها، وتربيتها، وتغذيتها، وتأديبها؟ لكننا نستطيع أن نفتخر - بحمد الله - أن ليس في القارات كلها جامعة بها من الطفيليات ما بجامعتنا هذه
(فلنفتش الآن بين هذه الصناديق الزجاجية. وليكن سيرنا غاية في الهدوء والتؤدة. فأن هذه الطفيليات رقيقة المزاج جداً. فلا تكاد خطرات النسيم تجرح خديها فحسب، بل تقتلها قتلاً. وهي علينا جد عزيزة. ويجب أن نحرص عليها غاية الحرص، أمش إذن برفق لكيلا يسمع لنعليك صوت، ولكيلا ترتج لوقع أقدامنا هذه المنازل البديعة التي آوت إليها الطفيليات.
(والآن فلأشرح ما اغلق عليك من أمر هذه الكائنات! إنك يا صديقي من الأدباء. ولديكم في